الجمعة، 27 مايو 2011

بحث فى الطب النبوى


الطب النبوى
        
          المرض نوعان:
1 -      مرضُ القلوب
2-   ومرضُ الأبدان.
 وهما مذكوران فى القرآن.
                   ومرض القلوب نوعان:
1 -   مرض شُبهة وشك
 2 -  مرض شَهْوة وغَىٍّ
 وكلاهما فى القرآن. قال تعالى فى مرض الشُّبهة: {فِى قُلُوبِهِم مََّّرَضٌ فَزَادَهُمُ اللهُ مَرَضاً}[البقرة : 10] .
         وقال تعالى: {وَلِيَقُولَ الَّذِينَ فِى قُلُوبِهِم مَّرَضٌ وَالْكَافِرُونَ مَاذَا أَرَادَ اللهُ بِهَذَا مَثَلاً}[المدثر :31].
         وقال تعالى فى حَقِّ من دُعى إلى تحكيم القرآن والسُّـنَّة، فأبَى وأعرض: {وَإذَا دُعُواْ إلَى اللهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إذَا فَرِيقٌ مِّنْهُمْ مُّعْرِضُونَ * وَإن يَكُن لَّهُمُ الْحَقُّ يَأْتُواْ إلَيْهِ مُذْعِنِينَ * أَفِى قُلُوبِهِم مَّرَضٌ أَمِ ارْتَابُواْ أَمْ يَخَافُونَ أَن يَحِيفَ اللهُ عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ، بَلْ أُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ}[النور : 48-50]، فهذا مرض الشُّبهات والشكوك.
         وأما مرض الشهوات
          فقال تعالى: {يَا نِسَاءَ النَّبِىِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِّنَ النِّسَاءِ، إنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلاَ تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِى فِى قَلْبِهِ مَرَضٌ}[الأحزاب : 32]، فهذا مرض شَهْوة الزِّنَى.. والله أعلم.
فصل
فى مرض الأبدان
         وأمّا مرض الأبدان.. فقال تعالى: {لَيْسَ عَلَى الأَعْمَى حَرَجٌ وَلاَ عَلَى الأَعْرَجِ حَرَجٌ وََلاَ عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ} [الفتح : 17][النور: 61]. وذكر مرض البدن فى الحج والصومِ والوضوء لسرٍّ بديع يُبيِّن لك عظمة القرآن، والاستغناءَ به لمن فهمه وعَقَله عن سواه،
 وذلك أن قواعد طِب الأبدان ثلاثة
1-     حِفظُ الصحة
2-      2-  والحِميةُ عن المؤذى
3-      3-  واستفراغُ المواد الفاسدة. فذكر سبحانه هذه الأصول الثلاثة فى هذه المواضع الثلاثة.
         فقال فى آية الصوم: {فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ}[البقرة : 184]، فأباح الفِطر للمريض لعذر المرض؛
 وللمسافر طلباً لحفظ صِحته وقوته لئلا يُذْهِبهَا الصومُ فى السفر لاجتماع شِدَّةِ الحركة، وما يُوجبه من التحليل، وعدم الغذاء الذى يخلف ما تحلَّل؛ فتخورُ القوة وتضعُف، فأباح للمسافر الفِطْرَ حفظاً لصحته وقوته عما يُضعفها.
         وقال فى آية الحج: {فَمَن كَانَ مِنْكُم مَّرِيضاً أَوْ بِهِ أَذًى مِّن رَّأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِّن صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُك}[البقرة : 196]، فأباح للمريض، ومَن به أذَىً من رأسه، من قمل، أو حِكَّة، أو غيرهما، أن يحلِق رأسه فى الإحرام استفراغاً لمادة الأبخرة الرديئة التى أوجبت له الأذى فى رأسه باحتقانها تحتَ الشَّعر، فإذا حلق رأسه، تفتحت المسامُ، فخرجت تلك الأبخرة منها، فهذا الاستفراغ يُقاس عليه كُلُّ استفراغ يؤذى انحباسُهُ.
         والأشياء التى يؤذى انحباسها ومدافعتها عشرة
: الدَّمُ إذا هاج
 والمنىُّ إذا تبَّيغ
 والبولُ
 والغائطُ،
 والريحُ
 والقىءُ
 والعطاسُ
 والنومُ
 والجوعُ
 والعطشُ.
وكل واحد من هذه العشرة يُوجب حبسُه داء من الأدواء بحسبه.
         وقد نبَّه سبحانه باستفراغ أدناها، وهو البخارُ المحتقِن فى الرأس على استفراغ ما هو أصعبُ منه؛ كما هى طريقةُ القرآن التنبيهُ بالأدنى على الأعلى.
         وأما الحِمية..
 فقال تعالى فى آية الوضوء: {وَإن كُنْتُم مَّرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِّنكُم مِّنَ الْغَائِطِ أَوْ لاَمَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُواْ مَاءً فَتَيَمَّمُوْا صَعِيداً طَيِّباً}[النساء : 43][المائدة : 6]، فأباح للمريض العدول عن الماء إلى التراب حِميةً له أن يُصيبَ جسدَه ما يُؤذيه، وهذا تنبيهٌ على الحِمية عن كل مؤذٍ له من داخل أو خارج، فقد أرشد سُبحانه  عِباده إلى أُصول الطب، ومجامعِ قواعده، ونحن نذكرُ هَدْى رسول الله صلى الله عليه وسلم فى ذلك، ونبيِّنُ أنَّ هَدْيه فيه أكمل هَدْىٍ.
  فأمَّا طبُّ القلوب.. فمسلَّم إلى الرُّسلِ صلوات الله وسلامه عليهم، ولا سبيل إلى حصوله إلا من جهتهم وعلى أيديهم، فإن صلاحَ القلوب أن تكون عارِفة بربِّها، وفاطرِها، وبأسمائه، وصفاته، وأفعاله، وأحكامه، وأن تكون مُؤثِرةً لمرضاته ومحابِّه، متجنِّبةً لمَنَاهيه ومَسَاخطه، ولا صحة لها ولا حياةَ ألبتةَ إلا بذلك، ولا سبيلَ إلى تلقِّيه إلا من جهة الرُّسل، وما يُظن من حصول صِحَّة القلب بدون اتِّباعهم، فغلط ممن يَظُنُّ ذلك، وإنما ذلك حياةُ نفسه البهيمية الشهوانية، وصِحَّتها وقُوَّتها، وحياةُ قلبه وصحته، وقوته عن ذلك بمعزل، ومَن لم يميز بين هذا وهذا، فليبك على حياة قلبه، فإنه من الأموات، وعلى نوره، فإنه منغمِسٌ فى بحار الظلمات.
فى أنَّ طب الأبدان نوعان
         وأمَّا طبُّ الأبدان.. فإنه نوعان:
         نوعٌ قد فطر الله عليه الحيوانَ ناطقَه وبهيمَه؛ فهذا لا يحتاج فيه إلى معالجة طبيب، كطب الجوع، والعطش، والبرد، والتعب بأضدادها وما يُزيلها.
         والثانى.. ما يحتاج إلى فكر وتأمل، كدفع الأمراض المتشابهة الحادثة فى المزاج، بحيثُ يخرج بها عن الاعتدال، إما إلى حرارة، أو بُرودة، أو يبوسة، أو رطوبة، أو ما يتركب من اثنين منها، وهى نوعان: إما مادية، وإما كيفية، أعنى إما أن يكون بانصِبَابِ مادة، أو بحدوث كيفية، والفرقُ بينهما أنَّ أمراضَ الكيفية تكون بعد زوال المواد التى أوجبتها، فتزولُ موادها، ويبقى أثرُها كيفية فى المزاج.
         وأمراض المادة أسبابها معها تمدُّها، وإذا كان سببُ المرض معه، فالنظر فى السبب ينبغى أن يقع أولاً، ثم فى المرض ثانياً، ثم فى الدواء ثالثاً. أو الأمراض الآلية وهى التى تُخرِجُ العضو عن هيئته، إما فى شكل، أو تجويفٍ، أو مجرىً، أو خشونةٍ، أو ملاسةٍ، أو عددٍ، أو عظمٍ، أو وضعٍ، فإن هذه الأعضاء إذا تألَّفت وكان منها البدن سمى تألُّفها اتصالاً، والخروجُ عن الاعتدال فيه يسمى تفرقَ الاتصال، أو الأمراضِ العامة التى تعم المتشابهة والآلية.
         والأمراضُ المتشابهة: هى التى يخرُج بها المزاجُ عن الاعتدال، وهذا الخروجُ يسمى مرضاً بعد أن يَضُرَّ بالفعل إضراراً محسوساً.
         وهى على ثمانية أضرب:
 أربعة بسيطة
، وأربعة مركَّبة
، فالبسيطةُ:   البارد، والحار، والرَّطب، واليابس.
 والمركَّبةُ: الحارّ الرَّطب، والحار اليابس، والبارد الرَّطب، والبارد اليابس، وهى إما أن تكون بانصباب مادة، أو بغير انصباب مادة، وإن لم يضر المرض بالفعل يُسمى خروجاً عن الاعتدال صحة.
         وللبدن ثلاثةُ أحوال:
1-          حال طبيعية،
2-           2-   وحال خارجة عن الطبيعية،
3-           3-  وحال متوسطة بين الأمرين.
 فالأولى: بها يكون البدن صحيحاً، والثانية: بها يكون مريضاً. والحال الثالثة: هى متوسطة بين الحالتين، فإن الضد لا ينتقل إلى ضدِّه إلا بمتوسط،
 وسببُ خروج البدن عن طبيعته، إمَّا من داخله، لأنه مركَّب من الحار والبارد، والرطب واليابس
، وإما من خارج، فلأن ما يلقاه قد يكونُ موافقاً، وقد يكون غيرَ موافق، والضررُ الذى يلحق الإنسان
1-     قد يكون من سوء المزاج بخروجه عن الاعتدال،
2-      وقد يكون مِن فساد العضو؛ وقد يكون من ضعف فى القُوَى، أو الأرواح الحاملة لها، ويرجع ذلك إلى زيادةِ ما الاعتدالُ فى عدم زيادته، أو نقصانُ ما الاعتدالُ فى عدم نقصانه، أو تفرُّقِ ما الاعتدالُ فى اتصاله، أو اتصالُ ما الاعتدالُ فى تفرُّقه، أو امتدادُ ما الاعتدالُ فى انقباضه؛ أو خروجِ ذى وضع وشكل عن وضعه وشكله بحيث يُخرجه عن اعتداله.
فالطبيب: هو الذى يُفرِّقُ ما يضرُّ بالإنسان جمعُه، أو يجمعُ فيه ما يضرُّه تفرُّقه، أو ينقُصُ منه ما يضرُّه زيادَته، أو يزيدُ فيه ما يضرُّه نقصُه، فيجلِب الصحة المفقودة، أو يحفظُها بالشكل والشبه؛ ويدفعُ العِلَّةَ الموجودة بالضد والنقيض، ويخرجها، أو يدفعُها بما يمنع من حصولها بالحِمية، وسترى هذا كله فى هَدْى رسول الله صلى الله عليه وسلم شافياً كافياً بحَوْل الله وقُوَّته، وفضله ومعونته
                      هَدْى النبى صلى الله عليه وسلم فى التداوى والأمر به
              فكان من هَدْيِه صلى الله عليه وسلم
               -    فعلُ التداوى فى نفسه
               -   والأمرُ به لمن أصابه مرض من أهله وأصحابه،
 ولكن لم يكن مِن هَدْيه ولا هَدْى أصحابه استعمالُ هذه الأدوية المركَّبة التى تسمى ((أقرباذين))، بل كان غالبُ أدويتهم بالمفردات، وربما أضافُوا إلى المفرد ما يعاونه، أو يَكْسِر سَوْرته، وهذا غالبُ طِبِّ الأُمم على اختلاف أجناسِها من العرب والتُّرك، وأهل البوادى قاطبةً، وإنما عُنى بالمركبات الرومُ واليونانيون، وأكثرُ طِبِّ الهند بالمفردات
وقد اتفق الأطباء على أنه متى أمكن التداوى بالغذاء لا يُعْدَل عنه إلى الدواء، ومتى أمكن بالبسيط لا يُعْدَل عنه إلى المركَّب.
         قالوا: وكل داء قدر على دفعه بالأغذية والحِمية، لم يُحاوَلْ دفعه بالأدوية.
قالوا: ولا ينبغى للطبيب أن يولعَ بسقى الأدوية، فإنَّ الدواء إذا لم يجد فى البدن داءً يُحلِّله
، أو وجد داءً لا يُوافقه،
 أو وجد ما يُوافقه فزادت كميتهُ عليه، أو كيفيته، تشبَّث بالصحة، وعبث بها، وأربابُ التجارِب من الأطباء طِبُّهم بالمفردات غالباً، وهم أحد فِرَق الطبِّ الثلاث.
         والتحقيقُ فى ذلك أن الأدوية من جنس الأغذية، فالأُمة والطائفة التى غالبُ أغذيتها المفردات، أمراضُها قليلة جداً، وطبُّها بالمفردات،
 وأهلُ المدن الذين غلبتْ عليهم الأغذيةُ المركَّبة يحتاجون إلى الأدوية المركَّبة
 وسببُ ذلك أنَّ أمراضَهم فى الغالب مركَّبةٌ، فالأدويةُ المركَّبة أنفعُ لها
 وأمراضُ أهل البوادى والصحارى مفردة: فيكفى فى مداواتها الأدوية المفردة. فهذا برهانٌ بحسب الصناعة الطبية.
         واستقى  النبى  صلى الله عليه وسلم هديه  من الوحى الذى يُوحيه الله إلى رسوله بما ينفعه ويضره، فنسبة ما عندهم مِن الطب إلى هذا الوحى كنِسبة ما عندهم من العلوم إلى ما جاءت به الأنبياء،
 بل ههنا من الأدوية التى تَشفى من الأمراض ما لم يهتد إليها عقولُ أكابر الأطباء، ولم تصل إليها عُلومُهم وتجاربهم وأقيستهم، من الأدوية القلبية، والروحانية، وقوة القلب، واعتمادِه على اللهِ، والتوكلِ عليه، والالتجاء إليه، والانطراحِ والانكسارِ بين يديه، والتذلُّلِ له، والصدقةِ، والدعاءِ، والتوبةِ، والاستغفارِ، والإحسانِ إلى الخلق، وإغاثةِ الملهوف، والتفريجِ عن المكروب، فإنَّ هذه الأدوية قد جَرَّبْتها الأُممُ على اختلاف أديانها ومِللها، فوجدوا لها من التأثير فى الشفاء ما لا يصل إليه علمُ أعلم الأطباء، ولا تجربتُه، ولا قياسُه.
فإن القلبَ متى اتصل برب العالمين، وخالق الداء والدواء، ومدبِّر الطبيعة ومُصرِّفها على ما يشاء كانت له أدويةٌ أُخرى غير الأدوية التى يُعانيها القلبُ البعيدُ منه المُعْرِضُ عنه، وقد عُلِمَ أنَّ الأرواحَ متى قويت، وقويتْ النفسُ والطبيعةُ تعاونا على دفع الداء وقهره، فكيف يُنكر لمن قويت طبيعتُه ونفسُه، وفرحت بقُربها مِن بارئها، وأُنسِها به، وحُبِّها له، وتنعُّمِها بذِكره، وانصرافِ قواها كُلِّها إليه، وجَمْعِها عليه، واستعانتِها به، وتوكلِها عليه، أن يكونَ ذلك لها من أكبر الأدوية، وأن توجب لها هذه القوةُ دفعَ الألم بالكلية،.
الأحاديث التى تحث على التداوى وربط الأسباب بالمسببات
         روى مسلم فى ((صحيحه)): من حديث أبى الزُّبَيْر، عن جابر بن عبد الله، عن النبىِّ صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((لِكلِّ داءٍ دواءٌ، فإذا أُصِيبَ دَوَاءُ الدَّاءِ، برأ بإذن اللهِ عَزَّ وجَلَّ)).
-----------------------------------------------------------------------
         وفى ((الصحيحين)): عن عطاءٍ، عن أبى هريرة  قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ما أنزل اللهُ مِنْ داءٍ إلا أَنْزَلَ لَهُ شِفَاءً)).
-----------------------------------------------------------------------
         وفى ((مسند الإمام أحمد)): من حديث زياد بن عِلاقة عن أُسامةَ ابن شَريكٍ، قال: ((كنتُ عندَ النبىِّ صلى الله عليه وسلم، وجاءت الأعرابُ، فقالوا: يا رسول الله؛ أَنَتَدَاوَى ؟ فقال:
((نَعَمْ يا عبادَ اللهِ تَدَاوَوْا، فإنَّ اللهَ عَزَّ وجَلَّ لم يضَعْ داءً إلا وَضَعَ لَهُ شِفاءً غيرَ داءٍ واحدٍ))، قالوا: ما هو ؟ قال: ((الهَرَمُ)).
         وفى لفظٍ: ((إنَّ اللهَ لم يُنْزِلْ دَاءً إلا أنزل له شِفَاءً، عَلِمَهُ مَنْ عَلِمَهُ وجَهِلَهُ مَنْ جَهِلَهُ)).
         وفى ((المسند)): من حديث ابن مسعود يرفعه: ((إنَّ اللهَ عَزَّ وجَلَّ لم يُنْزِلْ داءً إلا أنزَلَ لَهُ شِفاءً، عَلِمَهُ مَنْ عَلِمَهُ، وَجَهِلَهُ مَنْ جَهِلَهُ)).
         وفى ((المسند)) و((السنن)): عن أبى خِزَامةَ، قال: قلتُ: يا رسول اللهِ؛ أرأيْتَ رُقىً نَسْتَرْقِيهَا، ودواءً نتداوى به، وتُقَاةً نَتَّقِيهَا، هل تَرُدُّ من قَدَرِ اللهِ شيئاً ؟ فقال: ((هى من قَدَرِ الله)).
         فقد تضمَّنت هذه الأحاديثُ إثبات الأسباب والمسبِّبات يكون قوله((لكل داءٍ دواء
ويكون الله عَزَّ وجَلَّ قد جعل لها أدويةً تُبرئها، ولكن طَوَى عِلمَها عن البَشَر وعلم بعضهم
ولم يجعل للبعض  إليه سبيلاً لأنه لا عِلم للخلق إلا ما علَّمهم الله
 ولهذا علَّق النبىُّ صلى الله عليه وسلم الشِّفاءَ على مصادفة الدواء لِلداء
 فإنه لا شىءَ من المخلوقات إلا له ضِدّ
 وكلُّ داء له ضد من الدواء يعالَج بضدِّه
 فعلَّق النبىُّ صلى الله عليه وسلم البُرءَ بموافقة الداء للدواء
 وهذا قدرٌ زائدٌ على مجرد وجوده، فإنَّ الدواء متى جاوز درجة الداء فى الكيفية
 أو زاد فى الكمية على ما ينبغى، نَقَلَه إلى داء آخر
 ومتى قصر عنها لم يَفِ بمقاومته وكان العلاج قاصراً
 ومتى لم يقع المُداوِى على الدواء، أو لم يقع الدواء على الداء، لم يحصُل الشفاء
 ومتى لم يكن الزمان صالحاً لذلك الدواء، لم ينفع
 ومتى كان البدنُ غيرَ قابل له، أو القوةُ عاجزةً عن حمله، أو ثَمَّ مانعٌ يمنعُ من تأثيره، لم يحصل البُرء لعدم المصادفة
 ومتى تمت المصادفة حصلَ البرءُ بإذن الله ولا بُدَّ، وهذا أحسنُ المحملَيْن فى الحديث.
         والثانى: أن يكون مِن العام المراد به الخاصُ، لا سيما والداخل فى اللَّفظ أضعاف أضعافِ الخارج منه، وهذا يُستعمل فى كل لسان، ويكونُ المراد أنَّ الله لم يضع داءً يَقْبَلُ الدواء إلا وضع له دواء، فلا يَدخل فى هذا الأدواء التى لا تقبل الدواء، وهذا كقوله تعالى فى الرِّيح التى سلَّطها على قوم عاد: { تُدَمِّرُ كُلَّ شَىْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا}[الأحقاف : 25] أى: كل شىء يقبلُ التدمير، ومِن شأن الرِّيح أن تدمِّره، ونظائرُه كثيرة.
        
         وفى قوله صلى الله عليه وسلم: ((لكلِّ داءٍ دواء))، تقويةٌ لنفس المريضِ والطبيبِ، وحثٌ على طلبِ ذلك الدواءِ والتفتيشِ عليه، فإنَّ المريض إذا استشعرتْ نفسُه أن لِدائه دواءً يُزيله،
 تعلَّق قلبُه بروح الرجاء
، وبَردت عنده حرارة اليأس
، وانفتَحَ له بابُ الرجاء،
 ومتى قَويتْ نفسُه انبعثتْ حرارتُه الغريزية، وكان ذلك سبباً لقوة الأرواح الحيوانية والنفسانية والطبيعية،
 ومتى قويتْ هذه الأرواح، قويت القُوَى التى هى حاملةٌ لها، فقهرت المرضَ ودفعتْه
.وكذلك الطبيبُ إذا علم أنَّ لهذا الداءِ دواءً أمكنه طلبُه والتفتيشُ عليه
. وأمراضُ الأبدان على وِزَانِ أمراض القلوب، وما جعل الله للقلب مرضاً إلا جعل له شفاءً بضده، فإنْ علمه صاحبُ الداء واستعمله، وصادف داءَ قلبِه، أبرأه بإذن الله تعالى.
هدى النبى  صلى الله عليه وسلم فى الاحتماء من التخم، والزيادة فى الأكل على قدر الحاجة، والقانون الذى ينبغى مراعاتُه فى الأكل والشرب
صلى الله عليه وسلم  قال: ((ما مَلأَ آدَمِىٌ وِعاءً شَراً مِنْ بطنٍ، بِحَسْبِ ابنِ آدمَ لُقيْماتٌ يُقِمْنَ صُلْبَه، فإنْ كان لا بُدَّ فَاعلاً، فَثُلُتٌ لِطَعَامِهِ، وثُلُثٌ لِشَرَابِه، وثُلُثٌ لِنَفَسِه)).
         الأمراض نوعان: أمراضٌ مادية تكون عن زيادة مادة أفرطتْ فى البدن حتى أضرَّتْ بأفعاله الطبيعية، وهى الأمراضُ الأكثريةُ، وسببها:
·         إدخالُ الطعام على البدن قبل هضم الأوَّل
  • *  والزيادةُ فى القدر الذى يَحتاج إليه البدن*
  •  وتناولُ الأغذيةِ القليلةِ النفع، البطيئةِ الهضم*
  •  وإلاكثارُ من الأغذية المختلفة التراكيب المتنوعة*
  • فإذا ملأ الآدمىُّ بطنه من هذه الأغذية، واعتاد ذلك، أورثته أمراضاً متنوعة، منها بطئُ الزوالِ وسريعُه
  • ، فإذا توسَّط فى الغذاء، وتناول مِنه قدرَ الحاجة، وكان معتدلاً فى كميته وكيفيته، كان انتفاعُ البدن به أكثرَ من انتفاعه بالغذاء الكثير

 
ومراتبُ الغذاء ثلاثة:
 أحدها: مرتبة الحاجة.
 والثانية: مرتبة الكفاية.
 والثالثة: مرتبة الفضلةُ.
 فأخبر النبىُّ صلى الله عليه وسلم: أنه يكفيه لُقيماتٌ يُقِمْن صُلْبَه، فلا تسقط قوَّتُه، ولا تضعف معها، فإن تجاوزها، فليأكلْ فى ثُلُثِ بطنه، ويدع الثُلُث الآخر للماء، والثالثَ للنَفَس، وهذا من أنفع ما للبدن والقلب
 فإنَّ البطن إذا امتلأ من الطعام ضاق عن الشراب، فإذا ورد عليه الشراب ضاق عن النَفَس، وعرض له الكربُ والتعب بحمله بمنزلة حامل الحمل الثقيل
 وهذا يؤدى الى :
1-     فساد القلب
2-     وكسلِ الجوارح عن الطاعات
3-     وتحركها فى الشهوات التى يستلزمها الشِّبَعُ، فامتلاءُ البطن من الطعام مضرٌ للقلب والبدن. هذا إذا كان دائماً أو أكثرياً.
 ومن اضرار الشبع المفرط : يُضعف القُوَى والبدن، وإنْ أخصبَه
 وإنما يَقوَى البَدَنُ بحسب ما يَقْبَلُ من الغذاء، لا بِحَسَبِ كثرته.
         ولما كان فى الإنسان جزءٌ أرضىّ، وجزءٌ هوائىّ، وجزءٌ مائىّ، قسم النبى صلى الله عليه وسلم، طعامَه وشرابَه ونَفَسَه على الأجزاء الثلاثة
علاج النبى صلى الله عليه وسلم للمرضى بالأدوية الطبيعية
وكان علاجه صلى الله عليه وسلم للمرض ثلاثة أنواع
          *   أحدها: بالأدوية الطبيعية.
          *    والثانى: بالأدوية الإلهية.
          *   والثالث: بالمركَّب من الأمرين.


         .
هدى النبى صلى الله عليه وسلم  فى علاج الحُمَّى
         ثبت فى ((الصحيحين)): عن نافع، عن ابن عمرَ، أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: ((إنَّمَا الحُمَّى  أو شِدَّةُ الحُمَّى  مِنْ فَيحِ جَهنمَ، فَأبْرِدُوُهَا بِالْمَاءِ)).
         الحُمَّياتِ التى تَعرض  للناس  من نوع الحُمَّى اليومية العَرَضية الحادثةِ عن شدة حرارة الشمس، وهذه ينفعُها الماء البارد شُرباً واغتسالاً، فإن الحُمَّى حرارةٌ غريبة تشتعل فى القلب، وتنبثُّ منه بتوسط الروح والدم فى الشرايين والعروق إلى جميع البدن، فتشتعل فيه اشتعالاً يضر بالأفعال الطبيعية.
         وهى تنقسم إلى قسمين:
  عَرَضية: وهى الحادثةُ إما عن الورم، أو الحركة، أو إصابةِ حرارة الشمس، أو القَيْظ الشديد... ونحو ذلك.
ومرضية: وهى ثلاثةُ أنواع
1- حمى يوم
وهى لا تكون إلا فى مادة أُولى، ثم منها يسخن جميع البدن. فإن كان مبدأ تعلقها بالروح سميت حُمَّى يوم، لأنها فى الغالب تزول فى يوم، ونهايتُها ثلاثة أيام،
2- حمى عفنيه
ويكون  مبدأُ تعلقها بالأخلاط وتسمى  عفنية،
 اصناف الحمى العفنيه  اربعه :
1-     صفراوية
2-     سوداوية
3-     بلغميه
4-     دموية
4-    حمى دق
 وإن كان مبدأ تعلقها بالأعضاء الصلبة الأصلية، سميت حُمَّى دِق، وتحت هذه الأنواع أصنافٌ كثيرة.
         ملحوظه :
 وقد ينتفع البدن بالحُمَّى انتفاعاً عظيماً لا يبلغه الدواء، وكثيراً ما يكون حُمَّى يوم وحُمَّى العفن سبباً لإنضاج موادَّ غليظة لم تكن تنضِجُ بدونها، وسبباً لتفتح سُدَدٍ لم يكن تصل إليها الأدوية المفتحة.
         .
إنَّ كثيراً من الأمراض نستبشر فيها بالحُمَّى، كما يستبشر المريض بالعافية، فتكون الحُمَّى فيه أنفَع من شرب الدواء بكثير، فإنها تُنضج من الأخلاط والمواد الفاسدة ما يضُرُّ بالبدن، فإذا أنضجتها صادفها الدواء متهيئةً للخروج بنضاجها، فأخرجها، فكانت سبباً للشفاء.
         وإذا عُرِفَ هذا، فيجوز أن يكون مرادُ الحديثِ من أقسام الحُمَّيات العرضية، فإنها تسكن على المكان بالانغماس فى الماء البارد، وسقى الماء البارد المثلوج، ولا يحتاج صاحبها مع ذلك إلى علاج آخر، فإنها مجردُ كيفية حارة متعلقة بالرَّوح، فيكفى فى زوالها مجردُ وصول كيفية باردة تُسكنها، وتُخمد لهبها من غير حاجة إلى استفراغ مادة، أو انتظار نضج.
وقد اعترف فاضل الأطباء ((جالينوس)): بأنَّ الماء البارد ينفع فيها، قال فى المقالة العاشرة من كتاب ((حيلة البرء)): ((ولو أنَّ رجلاً شاباً حسنَ اللَّحم، خِصَب البدن فى وقت القَيْظ، وفى وقت منتهى الحُمَّى، وليس فى أحشائه ورم، استحمَّ بماءٍ بارد، أو سبح فيه، لانتفع بذلك)).
 وقال: ((ونحن نأمر بذلك بلا توقف)).
         وقال الرازىُّ فى كتابه الكبير: (( إذا كانت القوة قوية، والحُمَّى حادة جداً،  والنضجُ بَيِّنٌ ولا وَرَمَ فى الجوف، ولا فَتْقَ، ينفع الماء البارد شرباً، وإن كان العليل خِصَب البدن والزمان حارٌ، وكان معتاداً لاستعمال الماء البارد من خارج، فليؤذَنْ فيه)).
         وقوله: ((الحُمَّى مِن فَيْحِ جهنَم))، هو شدة لهبها، وانتشارُها، ونظيرُه قوله: ((شِدَّةُ الحرِّ مِن فَيْحِ جَهنمَ))، وفيه وجهان.
         أحدهما: أنَّ ذلك أَنموذَجٌ ورقيقةٌ اشتُقَتْ من جهنم ليستدلَّ بها العبادُ عليها، ويعتبروا بها، ثم إنَّ الله سبحانه قدَّر ظهورها بأسبابٍ تقتضيها، كما أنَّ الروحَ والفرح والسرور واللَّذة من نعيم الجنَّة أظهرها الله فى هذه الدار عِبرةً ودلالةً، وقدَّر ظهورَها بأسباب توجبها.
         وقد ذكر أبو نعيم وغيره من حديث أنَسٍ يَرفعه: ((إذَا حُمَّ أَحَدُكُم، فَلْيُرَشَّ عليهِ الماءَ البارِدَ ثلاثَ ليالٍ مِنَ السَّحَرِ)).
         وفى ((سنن ابن ماجَه)) عن أبى هُريرةَ يرفعه: ((الْحُمَّى كِيرٌ مِن كِيرِ جَهَنَّمَ، فَنَحُّوهَا عَنْكُمْ بالماءِ البَاردِ)).
         وفى ((المسند)) وغيره، من حديث الحسن، عن سَمُرَةَ يرفعُه: ((الْحُمَّى قطعةٌ من النَّارِ، فَأبْرِدُوهَا عَنْكُم بالماءِ البارِد))، وكان رسولُ الله صلى الله عليه وسلم إذا حُمَّ دَعَا بِقِرْبَة من ماءٍ، فَأَفْرَغَهَا عَلَى رَأْسِه فَاغْتَسَلَ.
         وفى ((السنن)): من حديث أبى هريرةَ قال: ذُكِرَت الْحُمَّى عِنْدَ رسول الله صلى الله عليه وسلم، فَسَبَّهَا رجلٌ، فقال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: ((لاَ تَسُبَّهَا فإنها تَنْفِى الذُّنُوبَ، كما تَنْفِى النَّارُ خَبَثَ الْحَدِيدِ)).
         لما كانت الحُمَّى يتبعها حِمية عن الأغذية الرديئة، وتناول الأغذيةِ والأدويةِ النافعة، وفى ذلك إعانةٌ على تنقية البدن، ونَفْى أخباثِه وفضوله، وتصفيته من مواده الردية، وتفعل فيه كما تفعل النارُ فى الحديد فى نَفْىِ خَبثه، وتصفيةِ جوهره، كانت أشبهَ الأشياء بنار الكير التى تُصَفِّى جوهر الحديد، وهذا القدرُ هو المعلوم عند أطباء الأبدان.
                  فالحُمَّى تنفع البدنَ والقلبَ، وما كان بهذه المَثابة فسَبُّه ظلم وعدوان.
                  
         قال أبو هريرةَ مَا منْ مَرَضٍ يُصيبنى أَحَبُّ إلىَّ من الحُمَّى، لأنها تدخل فى كلِّ عضوٍ منِّى، وإنَّ الله سبحَانهُ يُعْطى كلَّ عضوٍ حظَّه مِن الأجرِ.
         وقد روى الترمذىُّ فى ((جامعه)) من حديث رافِع بن خَدِيجٍ يرفعُه: ((إذا أَصَابَتْ أَحَدَكُمْ الحُمَّى وَإنَّ الحُمَّى قِطْعةٌ مِنَ النَّارِ  فَلْيُطفئهَا بالمَاءِ البَارِدِ، ويَسْتَقبِلْ نَهْراً جارياً، فَلْيستقبلْ جَرْيَةَ المَاءِ بعدَ الفَجْرِ وقَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ، وليقلْ: بِسْمِ اللهِ، اللَّهُمَّ اشْفِ عَبْدَكَ، وصَدِّقْ رَسُولَك. وينغمِسُ فيهِ ثلاثَ غَمَسَاتٍ ثلاثةَ أيامٍ، فإنْ بَرِىءَ، وإلا ففِى خمسٍ، فإن لمْ يبرَأْ فى خمس، فسبع، فإن لم يبرأ فى سبع فتسع، فإنها لا تكادُ تُجاوز تسعاً بإذنِ اللهِ)).
فى هَدْيه صلى الله عليه وسلم  فى علاج استطلاق البطن
         فى ((الصحيحين)): من حديث أبى المتوكِّل، عن أبى سعيد الخُدْرِىِّ، ((أنَّ رجلاً أتى النبىَّ صلى الله عليه وسلم، فقال: إنَّ أخى يشتكى بطنَه وفى رواية: استطلقَ بطنُهُ
 فقال: (( اسْقِهِ عسلاً))،
فذهب ثم رجع، فقال: قد سقيتُه، فلم يُغنِ عنه شيئاً وفى لفْظ: فلَم يزِدْه إلا اسْتِطْلاقاً، مرتين أو ثلاثاً  كل ذلك يقولُ له: ((اسْقِه عَسَلاً)).
 فقال لهُ فى الثالثةِ أو الرابعةِ: ((صَدَقَ  اللهُ، وكَذَبَ بَطْنُ أَخِيكَ)).
         وفى ((صحيح مسلم)) فى لفظ له: ((إنَّ أخى عَرِبَ بطنُه))، أى فسد هضمُه، واعتلَّتْ مَعِدَتُه، والاسم: ((العَرَب)) بفتح الراء، و ((الذَّرَب)) أيضاً.
منافع  العسل 
5-     فإنه جلاءٌ للأوساخ التى فى العروق والأمعاء وغيرها
6-     محلِّلٌ للرطوبات أكلاً وطِلاءً
7-     نافعٌ للمشايخ وأصحابِ البلغم
8-     ومَن كان مِزاجه بارداً رطباً
9-     وهو مغّذٍّ ملين للطبيعة
10-حافِظ لِقُوَى المعاجين ولما استُودِع فيه
11-مُذْهِبٌ لكيفيات الأدوية الكريهة
12-منقٍّ للكبد والصدر
13-مُدِرٍّ للبول
14-موافقٌ للسعال الكائن عن البلغم
15-وإذا شُرِبَ حاراً بدُهن الورد، نفع من نهش الهوام، وشرب الأفيون
16-وإن شُرِبَ وحده ممزوجاً بماء نفع من عضة الكَلْبِ الكَلِبِ، وأكلِ الفُطُرِ القتَّال
17-وإذا جُعِلَ فيه اللَّحمُ الطرىُّ، حَفِظَ طراوته ثلاثَةَ أشهر
18-وكذلك إن جُعِل فيه القِثَّاء، والخيارُ، والقرعُ، والباذنجان، ويحفظ كثيراً من الفاكهة ستة أشهر
19-ويحفظ جثة الموتى، ويُسمى الحافظَ الأمين
20-وإذ لطخ به البدن المقمل والشَّعر، قتل قَملَه وصِئْبانَه، وطوَّل الشَّعرَ، وحسَّنه، ونعَّمه
21-وإن اكتُحل به، جلا ظُلمة البصر
22-وإن استُنَّ به بيَّضَ الأسنان وصقَلها، وحَفِظَ صحتَها، وصحة اللِّثةِ
23-ويفتح أفواهَ العُروقِ
24-ويُدِرُّ الطَّمْثَ
25-  ولعقُه على الريق يُذهب البلغم، ويَغسِلَ خَمْلَ المعدة، ويدفعُ الفضلات عنها، ويسخنها تسخيناً معتدلاً، ويفتح سُدَدَها، ويفعل ذلك بالكبد والكُلَى والمثانة، وهو أقلُّ ضرراً لسُدَد الكبد والطحال من كل حلو.
         وهو مع هذا كله مأمونُ الغائلة، قليلُ المضار، مُضِرٌ بالعرض للصفراويين، ودفعها بالخلِّ ونحوه، فيعودُ حينئذ نافعاً له جداً.
       صفات  عسل النحل   :
·         هو غِذاء مع الأغذية،
·         ودواء مع الأدوية،
·         وشراب مع الأشربة،
·         وحلو مع الحلوى،
·         وطِلاء مع الأطلية،
·         ومُفرِّح مع المفرِّحات،
         وفى ((سنن ابن ماجه)) مرفوعاً من حديث أبى هريرة: ((مَنْ لَعِقَ العَسَل ثَلاثَ غدَوَاتٍ كُلَّ شَهْرٍ، لَمْ يُصِبْه عَظِيمٌ مِنَ البَلاءِ))،
 وفى أثر آخر: ((علَيْكُم بالشِّفَاءَيْنِ: العَسَلِ والقُرآنِ))، فجمع بين الطب البَشَرى والإلهى، وبين طب الأبدان، وطب الأرواح، وبين الدواء الأرضى والدواء السمائى.
قال  تعالى: {يَخْرُجُ مِن بُطُونِهَا شَرَابٌ مُّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَاءٌ لِّلنَّاسِ} [النحل : 69
في هديه في الطَّاعون، وعلاجه، والاحتراز منه
         فى ((الصحيحين)) عن عامر بن سعد بن أبى وَقَّاصٍ، عن أبيه، أنه سمعه يَسأَلُ أُسَامَةَ بن زيدٍ: ماذا سمِعْتَ من رسول الله صلى الله عليه وسلم فى الطاعون؟ فقال أُسامةُ: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((الطاعُونُ رِجْزٌ أُرْسِلَ عَلَى طائفةٍ من بنى إسرائيلَ، وعَلَى مَن كان قَبْلَكم، فإذا سَمِعْتُم به بأرضٍ، فَلا تَدْخُلوا عليه، وإذا وَقَعَ بأرضٍ وأنْتُم بها، فلا تَخُرُجوا منها فِرَاراً مِنْهُ)).
         وفى ((الصحيحين)) أيضاً: عن حَفْصَةَ بنت سِيرِينَ، قالت: قال أنسُ ابن مالكٍ: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((الطَّاعُونُ شهادةٌ لكلِّ مُسْلِم)).
         الطاعون من حيث اللُّغة: نوعٌ من الوباء، قاله صاحب ((الصحاح))، وهو عند أهل الطب: ورمٌ ردئ قتَّال يخرج معه تلهُّب شديد مؤلم جداً يتجاوز المقدار فى ذلك، ويصير ما حوله فى الأكثر أسود أو أخضر، أو أكمد، ويؤول أمره إلى التقرح سريعاً. وفى الأكثر، يحدث فى ثلاثة مواضع: فى الإِبْط، وخلف الأُذن، والأرنبة، وفى اللحوم الرخوة.
         وفى أثر عن عائشة: أنها قالت للنبىِّ صلى الله عليه وسلم: الطعن قد عرفناه، فما الطاعون؟ قال: ((غُدَّةٌ كَغُدَّةِ البَعيرِ يَخْرُجُ فى المَرَاقِّ والإِبْط)).
         قال الأطباء: إذا وقع الخُرَّاجُ فى اللحوم الرخوة، والمغابن، وخلف الأُذن والأرنبة، وكان من جنس فاسد، سُمِّى طاعوناً، وسببُه دم ردئ مائل إلى العُفونة والفساد، مستحيل إلى جوهر سُمِّىٍّ، يفسِدُ العضوَ ويُغيِّر ما يليه، وربما رَشَح دَماً وصديداً، ويؤدِّى إلى القلب كيفية رديئة، فيحدث القىء والخفقان والغَشى، وهذا الاسم وإن كان يَعُمُّ كُلَّ ورم يؤدى إلى القلب كيفية رديئة حتى يصيرَ لذلك قتَّالاً، فإنه يختصُّ به الحادث فى اللَّحم الغُددى، لأنه لرداءته لا يقبلُه من الأعضاء إلا ما كان أضعف بالطبع، وأردؤُه ما حدث فى الإبط وخلفَ الأُذن لقربهما من الأعضاء التى هى أرأس، وأسلمه الأحمر، ثم الأصفر. والذى إلى السواد، فلا يفلت منه أحدٌ.
         ولما كان الطاعون يكثر فى الوباء، وفى البلاد الوبيئة، عُبِّر عنه بالوباء، كما قال الخليل: الوباء: الطاعون. وقيل: هو كل مرض يعم.
         والتحقيقُ أنَّ بين الوباء والطاعون عموماً وخصوصاً، فكلُّ طاعونٍ وباءٌ، وليس كلُّ وباءٍ طاعوناً، وكذلك الأمراضُ العامة أعمُّ من الطاعون، فإنه واحد منها، والطواعينُ خرَّاجات وقروح وأورام رديئة حادثة فى المواضع المتقدم ذكرها.
                  قلت: هذه القروح، والأورام، والجراحات، هى آثار الطاعون، وليست نفسَه، ولكن الأطباء لما لم تُدرك منه إلا الأثر الظاهر، جعلوه نفسَ الطاعون.
         والطاعون يُعَبَّر به عن ثلاثة أُمور:
         أحدها: هذا الأثر الظاهر، وهو الذى ذكره الأطباء.
         والثانى: الموت الحادث عنه، وهو المراد بالحديث الصحيح فى قوله: ((الطاعونُ شَهادةٌ لكلِّ مُسلمٌ)).
         والثالث: السبب الفاعل لهذا الداء، وقد ورد فى الحديث الصحيح: ((أَنهُ بقيةُ رِجز أُرسِلَ عَلى بَنِى إسرائيلَ))، وورد فيه: ((أنهُ وَخْزُ الجنِّ))، وجاء: ((أنهُ دَعوةُ نبىّ)).
         وهذه العلل والأسباب ليس عند الأطباء ما يدفعها، كما ليس عندهم ما يدل عليها، والرُّسُلُ تُخبر بالأمور الغائبة، وهذه الآثار التى أدركوها من أمر الطاعون ليس معهم ما ينفى أن تكون بتوسط الأرواح، فإن تأثيرَ الأرواح فى الطبيعة وأمراضها وهلاكها أمر لا ينكره إلا مَنْ هو أجهلُ الناس بالأرواح وتأثيراتِها، وانفعالِ الأجسام وطبائعها عنها، واللهُ سبحانه قد يجعل لهذه الأرواح تصرفاً فى أجسام بنى آدمَ عند حدوث الوباء، وفسادِ الهواء، كما يجعل لها تصرفاً عند بعضِ المواد الرديئة التى تُحدث للنفوس هيئة رديئة، ولا سيما عند هيجان الدم، والمِرَّةِ السوداء، وعند هَيجان المنَىّ، فإنَّ الأرواح الشيطانية تتمكن مِن فعلها بصاحب هذه العوارض ما لا تتمكَّن من غيره، ما لم يدفعها دافع أقوى من هذه الأسباب من الذِّكر، والدعاء، والابتهال والتضرع، والصَّدَقة، وقراءة القرآن، فإنه يستنزل بذلك من الأرواح المَلَكية ما يقهُر هذه الأرواح الخبيثَة، ويُبطل شرَّها ويدفع تأثيرَها. وقد جرَّبنا نحنُ وغيرُنا هذا مراراً لا يُحصيها إلا الله، ورأينا لاستنزالِ هذه الأرواح الطيبة واستجلابِ قُربها تأثيراً عظيماً فى تقوية الطبيعة، ودفع المواد الرديئة، وهذا يكون قبل استحكامها وتمكنها، ولا يكاد ينخرم، فمَن وفَّقه الله، بادر عند إحساسه بأسباب الشر إلى هذه الأسباب التى تدفعها عنه، وهى له من أنفع الدواء، وإذا أراد الله عَزَّ وجَلَّ إنفاذَ قضائه وقَدَره، أغفل قلبَ العبد عن معرفتها وتصوُّرِها وإرادتها، فلا يشعر بها، ولا يُريدها، ليقضى الله فيه أمراً كان مفعولاً.
         وسنزيد هذا المعنى  إن شاء الله تعالى  إيضاحاً وبياناً عند الكلام على التداوى بالرُّقَى، والعُوَذ النبوية، والأذكار، والدعوات، وفعل الخيرات، ونُبيّن أن نِسبة طب الأطباء إلى هذا الطب النبوى، كنسبة طب الطرْقية والعجائز إلى طبهم، كما اعترف به حُذَّاقهم وأئمتهم، ونبين أن الطبيعة الإنسانية أشد شىء انفعالاً عن الأرواح، وأن قُوَى العُوَذ، والرُّقَى، والدعوات، فوق قُوَى الأدوية، حتى إنها تُبطل قُوَى السموم القاتلة.
         والمقصود: أنَّ فساد الهواء جزء من أجزاء السبب التام، والعِلَّة الفاعلة للطاعون، فإن فساد جوهر الهواء الموجِبُ لحدوث الوباء وفساده، يكون لاستحالة جوهره إلى الرداءة، لغلبة إحدى الكيفيات الرديئة عليه، كالعفونة، والنَّتَن، والسُّمِّيّة فى أى وقت كان من أوقات السنة، وإن كان أكثر حدوثه فى أواخر الصيف، وفى الخريف غالباً لكثرة اجتماع الفضلات المرارية الحادة وغيرها فى فصل الصيف، وعدم تحللها فى آخره، وفى الخريف لبرد الجو، ورَدْغَة الأبخرة والفضلات التى كانت تتحلل فى زمن الصيف، فتنحصر، فتسخن، وتعفن، فتحدث الأمراض العفنة، ولا سيما إذا صادفت البدن مستعداً، قابلاً، رهِلاً، قليل الحركة، كثيرَ المواد، فهذا لا يكاد يُفْلِت مِن العطب.
         وأصحُّ الفصول فيه فصل الربيع؛ قال ((بقراط)): إن فى الخريف أشد ما تكون من الأمراض، وأقتل، وأما الربيعُ، فأصحُّ الأوقات كلها وأقلُّها موتاً، وقد جرت عادةُ الصيادلة، ومجهزى الموتى أنهم يستدينونَ، ويتسلِّفون فى الربيع والصيف على فصل الخريف، فهو ربيعُهم، وهم أشوقُ شىء إليه، وأفرحُ بقدومه.
         وقد روى فى حديث: ((إذا طَلعَ النَّجْمُ ارْتَفَعَت الْعَاهَةُ عن كلِّ بَلَدٍ)). وفُسِّر بطلوع الثُّريا، وفُسِّر بطلوع النبات زمن الربيع، ومنه: {وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدَان} [الرحمن : 6]، فإنَّ كمال طلوعه وتمامَه يكون فى فصل الربيع، وهو الفصل الذى ترتفع فيه الآفات.
         وأما الثُّريا، فالأمراض تكثر وقت طلوعها مع الفجر وسقوطها.
         قال التَّمِيمىُّ فى كتاب ((مادة البقاء)): أشدُّ أوقات السنة فساداً، وأعظُمها بلية على الأجساد وقتان، أحدهما: وقتُ سقوط الثُّريا للمغيب عند طلوع الفجر. والثانى: وقت طلوعها من المشرِق قبل طلوع الشمس على العالَم، بمنزلة من منازل القمر، وهو وقت تصرُّمِ فصل الربيع وانقضائه، غير أن الفسادَ الكائن عند طلوعها أقلُّ ضرراً من الفساد الكائن عند سقوطها.
         وقال أبو محمد بن قتيبة: يقال: ما طلعت الثُّريا ولا نأتْ إلا بعَاهة فى النَّاس والإِبْل، وغروبُها أعْوَهُ من طلوعها.
         وفى الحديث قولٌ ثالث  ولعله أولى الأقوال به  أنَّ المراد بالنَّجْم: الثُّريا، وبالعاهة: الآفة التى تلحق الزروع والثمار فى فصل الشتاء وصدر فصل الربيع، فحصل الأمن عليها عند طلوع الثُّريا فى الوقت المذكور، ولذلك نهى صلى الله عليه وسلم عن
 بيع الثمرة وشرائها قبل أن يبدُوَ صلاحُها. والمقصود: الكلام على هَدْيِه صلى الله عليه وسلم عند وقوع الطاعون.
الوقايه من الطاعون فى الهدى النبوى
نهى النبى صلى الله عليه وسلم عن الدخول إلى الأرض التى هو بها أو الخروج منها
         وقد جمع النبىُّ صلى الله عليه وسلم للأُمة فى نهيه عن الدخول إلى الأرض التى هو بها، ونهيهِ عن الخروج منها بعد وقوعه كمالَ التحرز منه، فإنَّ فى الدخول فى الأرض التى هو بها تعرضاً للبلاء، وموافاةً له فى محل سلطانه، وإعانةً للإنسان على نفسه، وهذا مخالف للشرع والعقل، بل تجنُّبُ الدخول إلى أرضه من باب الحِمية التى أرشد الله سبحانه إليها، وهى حِمية عن الأمكنة، والأهوية المؤذية.
         وأما نهيه عن الخروج من بلده، ففيه معنيان:
         أحدُّهما: حمل النفوس على الثقة بالله، والتوكل عليه، والصبرِ على أقضيته، والرِّضَى بها.
         والثانى: ما قاله أئمة الطب: أنه يجب على كل محترز من الوباء أن يُخْرِجَ عن بدنه الرطوبات الفضلية، ويُقلِّل الغذاء، ويميل إلى التدبير المجفف مِن كل وجه إلا الرياضةَ والحمَّام، فإنهما مما يجب أن يُحذرا، لأن البدن لا يخلو غالباً مِن فضل ردىء كامن فيه، فتثيرُه الرياضة والحمَّام، ويخلطانه بالكيموس الجيد. وذلك يجلب عِلَّة عظيمة، بل يجب عند وقوع الطاعون السكون والدَّعة، وتسكين هيجان الأخلاط، ولا يمكن الخروجُ من أرض الوباء والسفر منها إلا بحركة شديدة، وهى مضرة جداً، هذا كلام أفضل الأطباء المتأخرين، فظهر المعنى الطبى من الحديث النبوى، وما فيه من علاج القلب والبدن وصلاحِهما.
         فإن قيل: ففى قول النبىُّ صلى الله عليه وسلم: ((لا تخرجوا فِراراً مِنهُ))، ما يُبطل أن يكون أراد هذا المعنى الذى ذكرتموه، وأنه لا يمنع الخروجَ لعارض، ولا يحبس مسافراً عن سفره ؟
         قيل: لم يقل أحدٌ  طبيبٌ ولا غيره  إنَّ الناس يتركون حركاتِهم عند الطواعين، ويصيرون بمنزلة الجماداتِ، وإنما ينبغى فيه التقلُّل من الحركة بحسب الإمكان، والفارُّ منه لا موجب لحركته إلا مجرد الفِرار منه، ودعتُه وسكونُه أنفع لقلبه وبدنه، وأقربُ إلى توكله على الله تعالى، واستسلامه لقضائه. وأما مَن لا يستغنى عن الحركة  كالصُـنَّاع، والأُجراء، والمسافرين، والبُرُد، وغيرهم  فلا يقال لهم: اتركوا حركاتِكم جملةً، وإن أُمروا أن يتركوا منها ما لا حاجة لهم إليه، كحركة المسافر فارّاً منه.. والله تعالى أعلم.
         وفى المنع من الدخول إلى الأرض التى قد وقع بها عدةُ حِكَم:
         أحدها: تجنب الأسباب المؤذية، والبُعْد منها.
         الثانى: الأخذُ بالعافية التى هى مادةُ المعاشِ والمعاد.
         الثالث: أن لا يستنشِقُوا الهواءَ الذى قد عَفِنَ وفَسَدَ فيمرضون.
         الرابع: أن لا يُجاوروا المرضى الذين قد مَرِضُوا بذلك، فيحصل لهم بمجاورتهم من جنس أمراضهم.
         وفى ((سنن أبى داود)) مرفوعاً: ((إنَّ مِن القرفِ التلفَ)).
         قال ابن قتيبة: القرفُ مداناة الوباء، ومداناة المرضى.
         الخامس: حِميةُ النفوس عن الطِّيَرَة والعَدوى، فإنها تتأثر بهما، فإن الطِّيرة على مَن تطيَّرَ بها.


هَدْيه صلى الله عليه وسلم فى داء الاستسقاء وعلاجه
         فى ((الصحيحين)): من حديث أنس بن مالك، قال:
((قَدِمَ رَهْطٌ من عُرَيْنَةَ وَعُكَل على النَّبىِّ صلى الله عليه وسلم، فاجْتَوَوا المدينة، فشكوا ذلك إلى النَّبىِّ صلى الله عليه وسلم، فقال لو خرجُتم إلى إِبِل الصدقة فشربتم من أبوالها وألبانها، ففعلوا، فلما صحُّوا، عمدوا إلى الرُّعَاةِ فقتلُوهم، واستاقُوا الإبل، وحاربُوا الله ورسوله، فبعث رسولُ الله صلى الله عليه وسلم فى آثارهم، فأُخِذُوا، فَقَطَعَ أيديَهُم، وأرجُلَهُم، وسَمَلَ أعْيُنَهُم، وألقاهم فى الشمس حتى ماتوا)).
         والدليل على أن هذا المرض كان الاستسقاء، ما رواه مسلم فى ((صحيحه)) فى هذا الحديث أنهم قالوا: ((إنَّا اجتوينا المدينة، فعظمت بطونُنا، وارتهشت أعضاؤنا)).... وذكر تمام الحديث.
         والجَوَى: داء من أدواء الجوف والاستسقاء: مرض مادى سببه مادة غريبة باردة تتخلَّل الأعضاء فتربو لها إما الأعضاء الظاهرة كلها، وإما المواضع الخالية من النواحى التى فيها تدبير الغِذاء والأخلاط، وأقسامُه ثلاثة: لحمىٌّ  وهو أصعبها وزقىٌّ، وطبلىٌّ.
         ولما كانت الأدوية المحتاجُ إليها فى علاجه هى الأدوية الجالبة التى فيها إطلاقٌ معتدل، وإدرارٌ بحسب الحاجة وهذه الأُمور موجودةٌ فى أبوال الإبل وألبانها، أمرهم النبىُّ صلى الله عليه وسلم بشربها، فإنَّ فى لبن اللِّقَاح جلاءً وتلييناً، وإدراراً وتلطيفاً، وتفتيحاً للسدَد، إذ كان أكثرُ رعيِها الشيح، والقيصوم، والبابونج،  والأقحوان، والإِذْخِر، وغير ذلك من الأدوية النافعة للاستسقاء.
         وهذا المرضُ لا يكون إلا مع آفة فى الكبد خاصة، أو مع مشاركة، وأكثرها عن السدَد فيها، ولبن اللِّقاحِ العربية نافعٌ من السدَد، لما فيه من التفتيح، والمنافع المذكورة.
         قال الرازىُّ: لبن اللِّقاح يشفى أوجاعَ الكبد، وفساد المِزاج         قال صاحب القانون: ولا يُلتفت إلى ما يقال: من أن طبيعة اللَّبن مضادة لِعلاج الاستسقاء. قال: واعلم أنَّ لبن النُّوق دواءٌ نافع لما فيه من الجِلاء برفق، وما فيه من خاصية، وأنَّ هذا اللَّبن شديد المنفعة، فلو أنَّ إنساناً أقام عليه بدل الماء والطعام شُفِىَ به، وقد جُرِّبَ ذلك فى قوم دُفِعوا إلى بلاد العرب، فقادتهم الضرورةُ إلى ذلك، فعُوفوا. وأنفعُ الأبوال: بَوْل الجمل الأعرابى، وهو النجيب.. انتهى.
         . فى هَدْيه صلى الله عليه وسلم فى علاج الجُرْح
         فى ((الصحيحين)) عن أبى حازم، أنه سمع سَهْلَ بن سعدٍ يسألُ عما دُووىَ به جُرْحُ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم يوم أُحُدٍ. فقال: ((جُرِحَ وجهُه، وكُسِرَت رَبَاعيتهُ، وهُشِمَت البَيْضةُ على رأسه، وكانت فاطمةُ بنتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم تغسِلُ الدمَ، وكان علىُّ بن أبى طالب يسكُب عليها بالْمِجَنِّ، فلما رأت فاطمة الدمَ لا يزيد إلا كَثرةً، أخذت قطعةَ حصيرٍ، فأحرقتْها حتى إذا صارت رَماداً ألصقتهُ بالجُرحِ فاستمسك الدمُ، برمَادِ الحصيرِ المعمول من البَرْدِىّ ))،
 وله فِعلٌ قوىٌ فى حبس الدم، لأن فيه تجفيفاً قوياً، وقِلَّةَ لذَع، فإنَّ الأدوية القوية التجفيف إذا كان فيها لذعٌ هيَّجت الدمَ وجلبتْه، وهذا الرَّمادُ إذا نُفِخَ وحده، أو مع الخل فى أنف الراعِفِ قطعَ رُعافُه.
         وقال صاحب القانون: البَرْدِىُّ ينفع من النزف، ويمنعه. ويُذَرُّ على الجراحات الطرية، فَيَدْمُلُها، والقرطاسُ المصرى كان قديماً يُعمل منه، ومزاجُه بارديابس، ورماده نافع من أَكلَةِ الفم، ويحبسُ نَفَثَ الدمِ، ويمنع القروح الخبيثة أن تسعى.
         فى ((صحيحِ البخارى)): عن سعيد بن جُبيرٍ، عن ابن عباس، عن النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم، قال: ((الشِّفَاءُ فى ثلاثٍ: شُرْبَةِ عسلٍ، وشَرْطةِ مِحْجَمٍ، وكَيَّةِ نارٍ، وأنا أنْهى أُمَّتى عن الْكَىِّ)).
 قال أبو عبد الله المازَرِى: الأمراض الامتلائية:
·         إما أن تكون دموية
·         أو صفراوية
·         أو بلغمية
·         أو سوداوية.
·         فإن كانت دموية، فشفاؤها إخراجُ الدم
  •  وإن كانت من الأقسام الثلاثةِ الباقية، فشفاؤها بالإِسهال الذى يَليق بكل خِلط منها
 وكأنه صلى الله عليه وسلم: نَبَّهَ بالعسل على المسهلات
 وبالحِجامة على الفَصْد، وقد قال بعض الناس: إنَّ الفصدَ يدخل فى قوله: ((شَرْطهِ مِحْجَمٍ))
الْكَىٌّ. فذكره صلى الله عليه وسلم فى الأدوية، لأنه يُستعمل عند غلبة الطباع لقُوى الأدوية، وحيث لا ينفعُ الدواءُ المشروب. وقوله: ((وأنا أنْهى أُمَّتى عن الكَىِّ))، وفى الحديث الآخر: ((وما أُحبُّ أن أَكْتَوِى)). إشارةٌ إلى أن يؤخَّرَ العلاجَ به حتى تَدفَع الضرورةُ إليه، ولا يعجل التداوى به لما فيه من استعجال الألم الشديد فى دفع ألمٍ قد يكون أضعفَ من ألم الكَىّ.
         وقال بعض الأطباءِ: الأمراضُ المِزاجية: إما أن تكون بمادة، أو بغير مادة
 والمادية منها، إما حارةٌ، أو باردةٌ، أو رَطبةٌ، أو يابسةٌ، أو ما تركَّب منها، وهذه الكيفيات الأربع، منها كيفيتان فاعلتان: وهما الحرارةُ والبرودةُ
 وكيفيتان منفعلتان: وهما الرطوبة واليبوسة
 ويلزم من غلبة إحدى الكيفيتين الفاعلتين استصحابُ كيفية منفعِلَة معها، وكذلك كان لكل واحد من الأخلاط الموجودة فى البدن، وسائر المركَّبات كيفيتان: فاعلةٌ ومنفعلةٌ.
أصل الأمراض المِزاجية هى التابعة لأقوى كيفيات الأخلاط التى هى الحرارةُ والبرودةُ، فجاء كلام النبوة فى أصل معالجة الأمراض التى هى الحارة والباردة على طريق التمثيل
 فإن كان المرض حاراً، عالجناه بإخراج الدم، بالفَصْد كان أو بالِحجامة، لأن فى ذلك استفراغاً للمادة، وتبريداً للمِزاج
. وإن كان بارداً عالجناه بالتسخين، وذلك موجود فى العسل، فإن كان يحتاج مع ذلك إلى استفراغ المادة الباردة، فالعسلُ أيضاً يفعل فى ذلك لما فيه من الإنضاج، والتقطيع، والتلطيف، والجِلاء، والتليين، فيحصل بذلك استفراغ تلك المادة برفق وأمْنٍ من نكاية المسهلات القوية.
  وأما الكَىُّ: فلأنَّ كلَّ واحد من الأمراض المادية، إما أن يكون حاداً فيكون سريعَ الإفضاء لأحد الطرفين، فلا يُحتاج إليه فيه، وإما أن يكون مُزْمِناً، وأفضلُ علاجه بعد الاستفراغ الكىُّ فى الأعضاء التى يجوز فيها الكَىّ. لأنه لا يكون مزمناً إلا عن مادة باردة غليظة قد رسخت فى العضو، وأفسدتْ مِزاجَه، وأحالتْ جميع ما يصل إليه إلى مشابهة جوهرها، فيشتعل فى ذلك العضو، فيستخرج بالكىِّ تلك المادةُ من ذلك المكان الذى هو فيه بإفناء الجزء النارى الموجود بالكىِّ لتلك المادة.
         وأما الحِجَامةُ، ففى ((سنن ابن ماجه)) من حديث جُبَارَةَ بن المُغَلِّس وهو ضعيفٌ  عن كثير بن سَليم، قال: سَمعتُ أَنَسَ بن مالكٍ يقولُ: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((ما مَرَرْتُ ليلةَ أُسْرِىَ بى بملإٍ إلا قالُوا: يا محمدُ؛ مُرْ أُمَّتَكَ بِالحِجَامَةِ)).
         وروى الترمذى فى ((جامعه)) من حديث ابن عباس هذا الحديث، وقال فيه: ((عليكَ بالحِجَامَةِ يا مُحَمَّدُ)).
         وفى ((الصحيحين)) من حديث طَاووس، عن ابن عباس، أنَّ النبىَّ صلى الله عليه وسلم ((احتجَمَ وأعْطى الحَجَّامَ أجْرَه)).
         وفى ((الصحيحين)) أيضاً، عن حُمَيدٍ الطويل، عن أنس، أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم حجمَهُ أبُو طَيْبَةَ، فأمَرَ لهُ بصَاعينِ مِن طعامٍ، وكلَّمَ مواليهُ، فخفَّفُوا عنهُ مِن ضريبتِهِ، وقال: ((خَيْرُ مَا تَدَاويْتمْ بِهِ الْحِجَامَةَ)).
         وفى ((جامع الترمذىّ)) عن عبَّاد بن منصور، قال: سمِعتُ عِكْرمَةَ يقولُ: ((كانَ لابن عباسٍ غِلمةٌ ثلاثةٌ حَجَّامُون، فكانَ اثنَانِ يُغلانِ عليه، وَعَلَى أهلِهِ، وواحدٌ لحجمِهِ، وحجمِ أهلِهِ. قال: وقال ابنُ عباسٍ: قال نبىُّ الله صلى الله عليه وسلم: ((نِعْمَ العبدُ الحَجَّامُ يَذْهَبُ بالدَّمِ، وَيُخِفُّ الصُّلْبَ، ويَجْلُو البَصَرَ)). وقال: إنَّ رَسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم حيثُ عُرِجَ بِهِ، ما مرَّ عَلَى مَلأٍ مِن الملائكةِ إلاَّ قالُوا: ((عليكَ بالحِجَامَةِ)).
اوقات الحجامه  التى هدى اليها النبى  صلى اله عليه وسلم
 قال صلى الله عليه وسلم :
 ((إنَّ خيرَ مَا تحْتَجِمُونَ فيهِ يَوْمَ سَبْعَ عَشْرَةَ، ويَوْمَ تِسْعَ عَشْرَةَ، وَيَوْمَ إحْدَى وَعِشرينَ))، وقال: ((إنَّ خَيْرَ ما تَدَاويْتُمْ بِهِ السَّعُوطُ واللَّدُودُ والحِجَامَةُ والمَشِىُّ، وإنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم لُدَّ، وقال صاحب ((القانون)): أوقاتُها فى النهار: الساعة الثانية أو الثالثة، ويجب توقيها بعد الحمَّام إلا فيمن دَمُه غليظ، فيجب أن يستحِمَّ، ثم يستجم ساعة، ثم يحتجم.. انتهى.
         وتُكره عندهم الحِجَامَة على الشبع، فإنها ربما أورثت سُدَداً وأمراضاً رديئة، ولا سيما إذا كان الغذاء رديئاً غليظاً. وفى أثر: ((الحجامةُ على الرِّيق دواء، وعلى الشبع داء، وفى سبعة عشر من الشهر شفاء)).
         واختيار هذه الأوقات للحِجَامة، فيما إذا كانت على سبيل الاحتياط والتحرز من الأذى، وحفظاً للصحة. وأما فى مُداواة الأمراض، فحيثما وُجد الاحتياجُ إليها وجب استعمالها.
         وفى قوله: ((لا يَتَبَيَّغْ بأحدِكم الدَّمُ فيقتلَهُ))، دلالة على ذلك، يعنى لئلا يَتَبَيَّغ، فحذف حرف الجر مع ((أَن))، ثم حُذفت
((أَن)). و ((التَّبَيُّغُ)): الهَيْجُ، وهو مقلوب البغى، وهو بمعناه، فإنه بغى الدم وهيجانه. وقد تقدَّم أنَّ الإمام أحمد كان يحتجم أىَّ وقتٍ احتاج من الشهر.
فصل
         وأما اختيارُ أيام الأسبوع للحِجَامة، فقال الخَلاَّل فى ((جامعه)): أخبرنا حرب بن إسماعيل، قال: قلت لأحمد: تُكره الحِجَامة فى شىء من الأيام ؟ قال: قد جاء فى الأربعاء والسبت.
         وفيه: عن الحسين بن حسَّان، أنه سأل أبا عبد الله عن الحِجَامة: أىَّ وقت تُكره ؟ فقال: فى يوم السبت، ويوم الأربعاء؛ ويقولون: يوم الجمعة.
         وروى الخَلال، عن أبى سلمةَ وأبى سعيد المقبُرى، عن أبى هريرة مرفوعاً: ((مَن احْتَجَمَ يومَ الأربِعَاء أو يومَ السَّبْتِ، فأصابَهُ بياضٌ أو بَرَصٌ، فلا يَلُومَنَّ إلا نَفْسَهُ)).
         وقال الخَلال: أخبرنا محمد بن على بن جعفر، أنَّ يعقوب بن بختان، حدَّثهم، قال: (( سُئِلَ أحمد عن النَّورَةِ والحِجَامةِ يوم السبت ويوم الأربعاء ؟ فكرهها. وقال: بلغنى عن رجل أنه تَنَوَّرَ، واحتجم يعنى يوم الأربعاء  فأصابه البَرَصُ. فقلت له: كأنه تهاوَنَ بالحديث ؟ قال: نعم )).
         وفى كتاب ((الأفراد)) للدَّارَقُطْنىِّ، من حديث نافع قال: قال لى عبد الله ابن عمر: ((تَبَيَّغَ بى الدم، فابْغِ لى حجَّاماً؛ ولا يكن صبيّاً ولا شيخاً كبيراً، فإنى سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((الحِجَامَةِ تزِيدُ الحَافِظَ حِفْظاً، والعاقِلَ عقلاً، فاحْتَجِمُوا على اسم الله تعالى، ولا تحْتَجِمُوا الخَمِيسَ، والجُمُعَةَ، والسَّبْتَ، والأحَدَ، واحْتَجِمُوا الاثْنَيْن، وما كان من جُذامٍ ولا بَرَصٍ، إلا نزلَ يوم الأربعاء)). قال الدَّارَقُطْنى: تَفَرَّدَ به زيادُ بن يحيى، وقد رواه أَيوب عن نَافع، وقال فيه: ((واحْتَجِمُــوا يومَ الاثْنَيْن والثُّلاثَاء، ولا تَحْتَجِمُوا يوم الأربعاء)).
         وقد روى أبو داود فى ((سننه)) من حديث أبى بكرةَ، أنه كان يكره الحِجَامَة يَوْمَ الثُّلاثَاء، وقال: إنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: ((يومُ الثُّلاثَاء يوم الدَّمِ وفيه ساعةٌ لا يَرْقَأُ فِيهَا الدَّمُ)).


Text Box: منافع الحِجَامَة          وأما منافعُ الحِجَامَة: فإنها تُنَقِّى سطح البدن أكثرَ من الفَصْد، والفصدُ لأعماق البدن أفضلُ، والحِجَامَةُ تستخْرِجُ الدَّمَ من نواحى الجلد.
         والحجامه و  الفصد، أنهما يختلفان باختلاف الزمانِ، والمكانِ، والأسنانِ، والأمزجةِ،
 فالبلادُ الحارةُ، والأزمنةُ الحارةُ، والأمزجة الحارة التى دَمُ أصحابها فى غاية النُّضج الحجامةُ فيها أنفعُ من الفصد بكثير، فإنَّ الدَّمَ ينضج ويَرِقُّ ويخرج إلى سطح الجسد الداخل، فتُخرِجُ الحِجَامَةِ ما لا يُخرجه الفصد، ولذلك كانت أنفعَ للصبيان من الفصد، ولِمَنْ لا يَقْوَى على الفَصد.
         وقد نص الأطباء على أنَّ البلاد الحارةَ الحجامةُ فيها أنفعُ وأفضلُ من الفصد، وتُستحب فى وسط الشهر، وبعد وسطه. وبالجملة، فى الربع الثالث من أرباع الشهر، لأن الدم فى أول الشهر لم يكن بعدُ قد هاج وتَبَيَّغَ، وفى آخره يكون قد سكن، وأما فى وسطه وبُعَيْدَه، فيكون فى نهاية التَّزَيُّدِ.
         قال صاحب القانون: ويُؤمر باستعمال الحِجَامة لا فى أول الشهر، لأن الأخلاط لا تكون قد تحرَّكت وهاجت، ولا فى آخره لأنها تكون قد نقصَت، بل فى وَسَطِ الشهر حين تكون الأخلاط هائجةً بالغةً فى تزايدها لتزيد النور فى جُرم القمر. وقد رُوِى عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((خَيْرُ ما تداويتم به الحِجَامَة والفَصْدُ)). وفى حديث: ((خَيْرُ الدواءِ الحِجَامَةُ
 والفَصْد))..
·         الحِجامة تفرُّقٌ اتصالى إرادى  يتبعه استفراغٌ كُلِّىٌ من العروق، وخاصةً العروقَ التى لا تُفصد كثيراً، ولِفصد كُلِّ واحد منها نفعٌ خاص
  •  ففصدُ الباسليق: ينفع من حرارة الكبد والطحال والأورام الكائنةِ فيهما من الدم، وينفع من أورام الرئة، وينفع من الشَّوْصَة وذات الجنب وجميع الأمراض الدموية العارضة من أسفل الركبة إلى الوَرِك.
  • وفصد الأكحل: ينفع من الامتلاء العارض فى جميع البدن إذا كان دمويّاً، وكذلك إذا كان الدم قد فسد فى جميع البدن.
  • وفصد القيفال: ينفع من العلل العارضة فى الرأس والرقبة من كثرة الدم أو فساده.
  • وفصد الوَدْجيْنِ: ينفع من وجع الطحال، والربو، والبُهْر، ووجع الجبين.
  • والحجامة على الكاهل: تنفع من وجع المَنْكِبِ والحلق.
  • والحجامة على الأخدعين: تنفع من أمراض الرأس، وأجزائه، كالوجه، والأسنان، والأذنين، والعينين، والأنف، والحلق إذا كان حدوث ذلك عن كثرة الدَّم أو فساده، أو عنهما جميعاً.
الاحاديث الواردة فى ذلك
  • قال أنس رضى الله تعالى عنه: ((كان رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يحتجمُ فى الأخْدَعَيْن والكَاهِلِ)).
  • وفى ((الصحيحين)) عنه: ((كان رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يحتجم ثلاثاً: واحدةً على كاهله، واثْنتين على الأخْدَعَيْن))
  • وفى ((الصحيح)) عنه: ((أنه احتجم وهو محرمٌ  فى رأسه لِصداع كان به)).
  • وفى ((سنن ابن ماجه)) عن علىّ: ((نزل جبريلُ على النبى صلى الله عليه وسلم بحجامة الأخْدَعَيْنِ والكَاهِلِ)).
  • وفى ((سنن أبى داود)) من حديث جابر: ((أنَّ النبىَّ صلى الله عليه وسلم احتجم فى وَركه من وثءٍ كان به)).
فى مواضع الحِجَامَةِ وأوقاتها
* الحِجَامَةِ على نُقرةِ القفا، وهى: القَمَحْدُوَةُ.
         وذكر أبو نعيم فى كتاب ((الطب النبوىّ)) حديثاً مرفوعاً: ((عَلَيْكم بالحِجَامَة فى جَوْزَةِ القَمحْدُوَةِ، فإنها تشفى من خمسة أَدواءٍ))، ذكر منها الجُذَامَ.
         وفى حديث آخر: ((عليكم بالحِجَامَة فى جَوْزَةِ القَمْحْدُوَةِ، فإنها شفاءٌ من اثْنَيْنِ وسَبْعينَ داءً)).
         فطائفةٌ منهم استحسنته وقالت: إنها تنفعُ من جَحْظِ العَيْن، والنُّتُوءِ العارض فيها، وكثير من أمراضها، ومن ثِقل الحاجبين والجَفن، وتنفع من جَرَبه.
         وروى أنَّ أحمد بن حنبل احتاج إليها، فاحتجم فى جانبى قفاه، ولم يحتجم فى النُّقرة.
         وممن كرهها صاحب ((القانون))، وقال: إنها تُورث النِّسيان حقاً، كما قال سيدنا ومولانا وصاحب شريعتنا محمدٌ صلى الله عليه وسلم، فإنَّ مؤخَّر الدماغ موضع الحفظ، والحِجَامَة تُذهبه.. انتهى كلامه.
         وردَّ عليه آخرون، وقالوا: الحديثُ لا يَثبُت، وإن ثبت فالحِجَامَةِ إنما تُضعف مؤخَّرَ الدماغ إذا استُعمِلَتْ لغير ضرورة، فأما إذا استُعملت لغلبة الدم عليه، فإنها نافعة له طباً وشرعاً، فقد ثبت عن النبىِّ صلى الله عليه وسلم أنه احتَجَمَ فى عدةِ أماكنَ مِن قفاه بحسب ما اقتضاه الحالُ فى ذلك، واحتَجَمَ فى غير القفا بحسب ما دعت إليه حاجتُه.
·         والحِجَامَةُ تحت الذقن
  • تنفعُ من وجع الأسنان والوجه والحلقوم، إذا استُعْمِلَت فى وقتها؛ وتُنقِّى الرأس والفَكَّيْن.
         والحِجَامَةُ على ظهر القدم تَنوبُ عن فَصْدِ الصَّافِنِ؛ وهو عِرق عظيم عند الكعب، وتنفع من قروح الفَخِذين والساقين، وانقطاعِ الطَّمْثِ، والحِكَّةِ العارِضة فى الأُنْثَيَيْنِ.
         والحِجَامةُ فى أسفل الصدر نافعةٌ من دماميل الفخذِ، وجَرَبِه، وبُثُورِه، ومن النِّقْرِس، والبواسيرِ والفِيل وحِكَّةِ الظهر.

  • ثبت فى ((الصحيح)) من حديث جابر بن عبد الله، أنَّ النبىَّ صلى الله عليه وسلم بعَثَ إلى أُبَىِّ بن كعب طَبيباً، فقَطَعَ له عِرْقاً وكَواه عليه.
  • ولما رُمِى سعدُ بن معاذٍ فى أكْحَلِهِ حسَمَهُ النبىُّ صلى الله عليه وسلم، ثم ورِمَت، فحسَمهُ الثانية. و((الحَسْمُ)) هو: الكَىُّ.
  • وفى طريق آخر: أنَّ النبىَّ صلى الله عليه وسلم كَوَى سعدَ بن مُعاذٍ فى أكْحَلِهِ بِمِشْقَصٍ، ثم حسمَهُ سعد بن مُعاذٍ أو غيرُه من أصحابه.
  • وفى لفظ آخر: أنّ رجلاً من الأنصار رُمِى فى أكْحَلِه بِمِشْقَصٍ، فأمر النبىُّ صلى الله عليه وسلم به فكُوِىَ.
  • وقال أبو عُبيدٍ: وقد أُتِىَ النبىُّ صلى الله عليه وسلم برجلٍ نُعِتَ له الكَىُّ، فقال: ((اكْوُوهُ وارْضِفُوهُ)). قال أبو عُبيدةَ: الرَّضْفُ: الحجارة تُسخَّنُ، ثم يُكمدُ بها.
  • وقال الفضل بن دُكَين: حدَّثنا سُفيانُ، عن أبى الزُّبير، عن جابرٍ: أنَّ النبىَّ صلى الله عليه وسلم كَواهُ فى أكْحَلِه.
  • وفى ((صحيح البخارى)) من حديث أنس، أنه كُوِىَ من ذاتِ الجَنْبِ والنَّبىُّ صلى الله عليه وسلم حَىٌ.
  • وفى الترمذى، عن أنسٍ، أنَّ النَّبىَّ صلى الله عليه وسلم
  • ((كَوَى أسْعَدَ بن زُرَارَةَ من الشَّوْكَةِ)).
  • وقد تقدَّم الحديث المتفَقُ عليه وفيه: ((ومَا أُحِبُّ أن
  • أَكْتوِى))، وفى لفظ آخرَ: ((وأنا أنْهَى أُمَّتِى عن الْكَىِّ)).
  • وفى ((جامع الترمذى)) وغيره عن عِمرانَ بن حصينٍ، أنَّ النَّبىَّ صلى الله عليه وسلم نَهَى عن الكَىِّ قال: فابْتُلِينَا فاكْتويْنا فما أفلحْنا، ولا أنجحنا. وفى لفظ: نُهِينا عن الكَىِّ وقال: فما أفْلَحْنَ ولا أنْجَحْنَ.
  • قال الخطابىُّ: إنما كَوى سعداً ليَرْقَأَ الدمُ من جُرحه، وخاف عليه أنْ يَنْزِفَ فيَهْلِكَ. والكىُّ مستعملٌ فى هذا الباب، كما يُكْوَى مَن تُقطع يدُه أو رِجلُه.
  • وأما النهىُ عن الكىِّ، فهو أن يَكتوىَ طلباً للشفاء، وكانوا يعتقدون أنه متى لم يَكتو، هَلَك، فنهاهم عنه لأجل هذه النيَّةِ.
وقال ابن قتيبة: الكىُّ جنسانِ:
    • اكتوَى))، لأنه يُريد أن يَدفعَ القَدَرَ عن نفسه.
      • والثانى: كىُّ الجرْح إذا نَغِلَ، والعُضوِ إذا قُطعَ، ففى هذا الشفاءُ.
         وثبت فى ((الصحيح)) فى حديث السبعين ألفاً الذين يدخلون الجنَّةَ بغير حساب أنهم ((الذينَ لا يَسْتَرقُونَ، ولا يكتوُونَ، ولا يتطيَّرُونَ، وعَلَى ربهِمْ يتوكَّلُونَ)).
         فقد تضمنتْ أحاديثُ الكىِّ أربعةَ أنواع، أحدُها: فعلُه، والثانى: عدمُ محبته له، والثالث: الثناء على مَن تركه، والرابع: النهى عنه، ولا تَعَارُض بينها بحمدِ الله تعالى، فإنَّ فِعلَه يدلُّ على جوازه، وعدمَ محبتِه له لا يدلُّ على المنع منه. وأما الثناءُ على تاركِه، فيدلُّ على أنَّ تَرْكَه أولى وأفضلُ. وأما النهىُ عنه، فعلى سبيل الاختيار والكراهة، أو عن النوع الذى لا يُحتاجُ إليه، بل يفعل خوفاً من حدوث الداء.. والله أعلم.
      
  روى ابن ماجه فى ((سننه)) من حديث محمد بن سِيرين، عن أنس بن مالك، قال: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
                 ((دواءُ عِرْقِ النَّسَا ألْيَةُ شاةٍ أعْرَابِيَّةٍ تُذَابُ، ثمَّ تُجزَّأُ ثلاثةَ أجزاءٍ، ثُمَّ يُشْرَبُ على الرِّيقِ فى كلِّ يومٍ جُزْءٌ)).
         عِرْقُ النَّسَاء: وجعٌ يبتدىءُ مِن مَفْصِل الوَرِك، وينزل مِن خلفٍ على الفخذ، وربما على الكعب، وكلما طالت مدتُه، زاد نزولُه، وتُهزَلُ معه الرجلُ والفَخِذُ، وهذا الحديثُ فيه معنى لُّغوى، ومعنى طبى.
         وأما المعنى الطبى: فقد تقدَّم أنَّ كلام رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم نوعان؛ أحدهما: عامٌ بحسب الأزمان، والأماكن، والأشخاص، والأحوال.
         والثانى: خاصٌ بحسب هذه الأُمور أو بعضها،  وهذا من هذا القِسم، فإنَّ هذا خطابٌ للعرب، وأهل الحجاز، ومَن جاوَرَهم، ولا سيما أعراب البوادى، فإنَّ هذا العِلاجَ من أنفع العلاج لهم، فإنَّ هذا المرض يَحدث من يُبْس، وقد يحدث من مادة غليظة لَزِجَة، فعلاجُها بالإسهال و((الألْيَةُ)) فيها الخاصيَّتان: الإنضاج، والتليين، ففيها الإنضاج، والإخراج. وهذا المرضُ يَحتاج عِلاجُه إلى هذين الأمرين.
         وفى تعيينِ الشاةِ الأعرابيةِ
§         لقِلةُ فضولِها،
§         وصِغرُ مقدارِها،
§         ولُطف جوهرها،
§         وخاصيَّةُ مرعاها لأنها ترعى أعشابَ البَرِّ الحارةَ، كالشِّيحِ، والقَيْصُوم، ونحوهما، وهذه النباتاتُ إذا تغذَّى بها الحيوانُ، صار فى لحمه من طبعِها بعد أن يُلَطِّفَها تغذيةً بها، ويُكسبَها مزاجاً ألطَفَ منها، ولا سيما الألية،
 وظهورُ فعل هذه النباتاتِ فى اللَّبن أقوى منه فى اللَّحم، ولكنَّ الخاصيةَ التى فى الألية من الإنضاج والتَّلْيِين لا تُوجد فى اللَّبن        

 روى الترمذىُّ فى ((جامعه)) وابن ماجه فى ((سننه)) من حديث أسماء بنت عُمَيْسٍ، قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((بماذا كُنتِ تَسْتَمْشِينَ)) ؟ قالت: بالشُّبْرُم، قال:
 ((حَارٌ جَارٌ)). قالت: ثم استمشيْتُ بالسَّنا، فقال: ((لو كان شىءٌ يَشْفِى من الموتِ لكانَ السَّنا)).
         وفى ((سنن ابن ماجه)) عن إبراهيم بن أبى عَبلة، قال: سمعتُ عبد الله ابن أُم حرام، وكان قد صلَّى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم القِبْلتين يقول: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((عليكم بالسَّنا والسَّنُوت، فإنَّ فيهما شفاءً مِنْ كلِّ داءٍ إلا السَّامَ))
، قيل: يا رسول الله؛ وما السَّـــامُ ؟ قال:
                                  ((الموتُ)).
         قوله: ((بماذا كنتِ تستمشين)) ؟ أى: تلينين الطبع حتى يمشى، ولا يصير بمنزلة الواقف، فيؤذى باحتباس النَّجْوِ. ولهذا سمى الدواءُ المسهل مَشِيّاً على وزن فعيل. وقيل: لأن المسهول يكثر المشى والاختلاف للحاجة.
         وقد روى: ((بماذا تستشفين)) ؟ فقالت
     : بالشُّبْرُم، وهو من جملة الأدوية اليتوعية، وهو: قِشر عِرْق شجرة، وهو حارٌ يابس فى الدرجة الرابعة، وأجودُه المائل إلى الحُمْرة، الخفيفُ الرقيقُ الذى يُشبه الجلد الملفوف، وبالجملة فهو من الأدوية التى أوصى الأطباءُ بترك استعمالها لخطرها، وفرطِ إسهالها.
         وقوله صلى الله عليه وسلم: ((حَارٌ جَارٌ))  ويُروى: ((حَارٌ يَارٌ))  قال أبو عُبَيد: وأكثر كلامهم بالياء. قلت: وفيه قولان، أحدهما: أنَّ الحارَّ الجارَّ  بالجيم: الشديدُ الإسهال؛ فوصفه بالحرارة، وشدةِ الإسهال وكذلك هو.. قاله أبو حنيفةَ الدِّينوَرِىُّ. 
         وأما ((السَّنا))، ففيه لغتان: المد والقصر، وهو نبت حِجازى أفضلُه المكىّ، وهو دواء شريف مأمون الغائلة، قريبٌ من الاعتدال، حارٌ يابس فى الدرجة الأولى، يُسْهِلُ الصفراءَ والسوداءَ، ويقوِّى جِرْمَ القلب، وهذه فضيلة شريفة فيه، وخاصيته النفعُ من الوسواس السوداوى، ومن الشِّقاق العارض فى البدن، ويفتح العَضَل وينفع من انتشار الشعر، ومن القُمَّل والصُّداعَ العتيق، والجرب، والبثور، والحِكَّة، والصَّرْع، وشرب مائه مطبوخاً أصلحُ مِن شربه مدقوقاً، ومقدارُ الشربة منه ثلاثة دراهمَ، ومن مائه: خمسة دراهم. وإن طُبِخَ معه شىء من زهر البنفسج والزبيب الأحمر المنزوع العَجَم، كان أصلحَ.
         قال الرازىُّ: السَّناء والشاهترج يُسْهلان الأخلاط المحترقة، وينفعان من الجرب والحِكَّة. والشَّربةُ مِن كل واحد منهما من أربعة دراهم إلى سبعة دراهم.
         وأما ((السَّنوتُ)) ففيه ثمانية أقوال:
         أحدها: أنه العسل.
         والثانى: أنه رُبُّ عُكة السمن يخرجُ خططاً سوداء على السمن.
         حكاهما عَمْرو بن بكر السَّكْسَكِىُّ.
         الثالث: أنه حَبٌ يُشبه الكمون وليس به، قاله ابن الأعرابى.
         الرابع: أنه الكَّمون الكرمانىّ.
         الخامس: أنه الرازيانج.
         حكاهما أبو حنيفةَ الدِّينَوَرِىُّ عن بعض الأعراب.
         السادس: أنه الشِّبتُّ.
         السابع: أنه التمر.
         حكاهما أبو بكر بن السُّنِّى الحافظ.
         الثامن: أنه العَسل الذى يكون فى زِقاق السمن، حكاه عبد اللَّطيف البغدادى.
         قال بعض الأطباء: وهذا أجدر بالمعنى، وأقرب إلى الصواب؛ أى: يخلط السَّناء مدقوقاً بالعسل المخالط للسمن، ثم يُلعق فيكون أصلحَ من استعماله مفرداً لما فى العسل والسمن من إصلاح السَّنا، وإعانته له على الإسهال.. والله أعلم.
         وقد روى الترمذىُّ وغيره من حديث ابن عباس يرفعه: ((إنَّ خَيْرَ مَا تَدَاوَيتُم به السَّعُوطُ واللَّدُودُ والحِجَامةُ والمَشِىُّ)).
         والمَشِىُّ: هو الذى يمشى الطبعَ وَيُليِّنُه ويُسَهِّلُ خُروجَ الخارِج.
  • فى ((الصحيحين)) من حديث قَتادةَ، عن أنس بن مالك قال: ((رخَّص رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم لعبد الرَّحمن بن عَوْفٍ، والزُّبَيْر بن العوَّام رضى الله تعالى عنهما فى لُبْسِ الحريرِ لِحكَّةٍ كانت بهما)).

  • وفى رواية: ((أنَّ عبدَ الرَّحمن بن عَوْف، والزُّبَير بن العوَّام رضى الله تعالى عنهما، شكَوْا القَمْلَ إلى النبى صلى الله عليه وسلم، فى غَزاةٍ لهما، فَرَخَّص لهما فى قُمُصِ الحرير، ورأيتُه عليهما)).
         هذا الحديثُ يتعلق به أمران؛ أحدُهما: فِقْهى، والآخر: طِبى.
         فأما الفقهى: فالذى استقرت عليه سُـنَّته  صلى الله عليه وسلم إباحةُ الحرير للنساء مطلقاً، وتحريمه على الرجال إلا لحاجةٍ ومصلحةٍ راجحةٍ، فالحاجة إمَّا من شِدَّة البرد، ولا يَجِدُ غيرَه، أو لا يجدُ سُترةً سواه. ومنها: لباسه للجرب، والمرض، والحِكةِ، وكثرة القَمْل كما دلّ عليه حديث أنس هذا الصحيح.


فائدة  الحرير
   من الأدوية المتخَذةِ من الحيوان، ولذلك يُعَد فى الأدوية الحيوانية، لأن مخرجَه من الحيوان، وهو كثيرُ المنافع، جليلُ الموقع،
 ومِن خاصيَّتِه تقويةُ القلب، وتَفريحُه، والنفع من كثير من أمراضه، ومِن غلبة المِرَّةِ السوداء، والأدواءِ الحادثة عنها،
وهو مُقوٍ للبصر إذا اكتُحِلَ به، والخامُ منه  وهو المستعمَلُ فى صناعة الطب  حار يابس فى الدرجة الأولى. وقيل: حار رطب فيها. وقيل: معتدل.
 وإذا اتُّخِذَ منه ملبوسٌ كان معتدل الحرارة فى مزاجه، مسخِّناً للبدن، وربما برد البدن بتسمينه إياه.
         قال الرازىّ: الإبْرَيْسَمُ أسخنُ من الكَتَّان، وأبردُ من القطن، يُربى اللحمَ، وكلُّ لباس خشن، فإنه يُهزِلُ، ويصلب البَشْرة وبالعكس.
الملابسُ ثلاثة أقسام:
§         قسمٌ يُسخن البدن ويُدفئه
§         وقسمٌ يُدفئه ولا يُسخنه
§         وقسمٌ لا يُسخنه ولا يدُفئُه
 وليس هناك ما يُسخنه ولا يُدفئه، إذ ما يُسخنه فهو أولى بتدفئته، فملابسُ الأوبار  والأصواف تُسخن وتُدفىء، وملابسُ الكَتَّان والحرير والقطن تُدفىءُ ولا تُسخن. فثياب الكَتَّان باردة يابسة، وثيابُ الصوف حارة يابسة، وثيابُ القطنِ معتدلةُ الحرارة، وثيابُ الحرير ألينُ من القطن وأقل حرارةً منه.
         قال صاحب ((المنهاج)): ((ولُبْسه لا يُسخن كالقُطن، بل هو معتدل، وكُلُّ لباس أملسَ صقيلٍ، فإنه أقلُّ إسخاناً للبدن، وأقلُّ عوناً فى تحلل ما يتحلل منه، وأحْرَى أن يُلبسَ فى الصيف، وفى البلاد الحارة))
        
فى هَدْيه صلى الله عليه وسلم فى علاج ذاتِ الجنب
  • روى الترمذى فى ((جامعه)) من حديث زيد بن أرقمَ، أنَّ النبىَّ صلى الله عليه وسلم، قال: ((تَدَاوَوْا مِنْ ذاتِ الجَنْبِ بالقُسْطِ البَحْرى والزَّيْتِ)).
  • وذاتُ الجنب عند الأطباء نوعان: حقيقى وغيرُ حقيقى. فالحقيقى: ورمٌ حار يَعْرِضُ فى نواحى الجَنب فى الغشاء المستبطن للأضلاع. وغير الحقيقى: ألم يُشبهه يَعْرِضُ فى نواحى الجنبِ عن رياح غليظة مؤذيةٍ تحتقِن بين الصِّفاقات، فتُحْدِث وجعاً قريباً من وجع ذات الجنب الحقيقى، إلا أن الوجعَ فى هذا القسم ممدودٌ، وفى الحقيقى ناخسٌ.
  • قال صاحبُ ((القانون)): قد يعرِضُ فى الجنبِ، والصَّفاقات، والعَضَل التى فى الصدر، والأضلاع، ونواحيها أورامٌ مؤذية جداً موجِعةٌ، تسمى شَوْصةً وَبِرساماً، وذاتَ الجنب. وقد تكون أيضاً أوجاعاً فى هذه الأعضاء ليست من ورم، ولكن من رياح غليظة، فيظن أنها من هذه العِلَّة، ولا تكون منها.
  • قال: واعلم أنَّ كُلَّ وجع فى الجنب قد يُسمى ذاتَ الجنب اشتقاقاً من مكان الألم، لأن معنى ذات الجنب: صاحبةُ الجنب، والغرضُ به ههنا وَجَعُ الجنب، فإذا عَرَضَ فى الجنب ألمٌ عن أى سبب كانَ نُسِبَ إليه، وعليه حُمِلَ كلام ((بقراط)) فى قوله: إنَّ أصحابَ ذات الجنبِ ينتفعون بالحَمَّام. قيل: المراد به كلُّ مَن به وجعُ جنب، أو وجعُ رِئة من سوء مِزاج، أو من أخلاط غليظة، أو لذاعة من غير ورم ولا حُمَّى.
  • قال بعضُ الأطباء: وأما معنى ذات الجنب فى لغة اليونان، فهو ورمُ الجَنب الحار، وكذلك ورمُ كل واحد من الأعضاء الباطنة، وإنما سمى ذاتَ الجنب ورمُ ذلك العضو إذا كان ورماً حاراً فقط.
  • ويلزم ذاتَ الجنب الحقيقى خمسةُ أعراض، وهى: الحُمَّى، والسعال، والوجع الناخس، وضيق النَّفَس، والنبضُ المنشارى.
         والعلاج الموجود فى الحديث، ليس هو لهذا القسم، لكن للقسم الثانى الكائن عن الريح الغليظة،
فإنَّ القُسْطَ البحرى   وهو العود الهندى على ما جاء مفسَّراً فى أحاديث أُخَر  صِنفٌ من القُسْط إذا دُقَّ دقاً ناعماً، وخُلِط بالزيت المسخن، ودُلِكَ به مكانُ الريح المذكور، أو لُعِق، كان دواءً موافقاً لذلك، نافعاً له، محلِّلاً لمادته، مُذْهِباً لها، مقوياً للأعضاء الباطنة، مفتحاً للسُّدد، والعودُ المذكور فى منافعه كذلك.
         وذاتُ الجنب: من الأمراض الخطرة، وفى الحديث الصحيح: عن أُم سلمةَ، أنها قالت: بدأ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم بمرضِه فى بيت ميمُونةَ، وكان كلَّما خَفَّ عليه، خرجَ وصلَّى بالناس، وكان كلَّما وَجَد ثِقَلاً، قال: ((مُرُوا أبا بكرٍ فليُصَلِّ بالناس))، واشتد شكواه حتى غُمِرَ عليه مِن شدةِ الوجع، فاجتمع عنده  نساؤه، وعمُّه العباس، وأُمُّ الفضل بنت الحارث، وأسماءُ بنت عُمَيْس، فتشاوروا فى لدِّهِ، فَلدُّوه وهو مغمورٌ، فلما أفاق قال: ((مَن فعل بى هذا ؟ هذا من عمل نساءٍ جِئْنَ من ههُنا))، وأشار بيده إلى أرضِ الحبشةِ، وكانت أُمُّ سلمةَ وأسماءُ لَدَّتاهُ، فقالوا: يا رسولَ الله؛ خشِينَا أن يكون بكَ ذاتُ الجنب. قال: ((فَبِمَ لَدَدْتُمُونى)) ؟ قالوا: بالعُودِ الهندىِّ، وشىءٍ من وَرْسٍ وقَطِرَاتٍ من زيت. فقال: ((ما كان اللهُ لِيَقْذِفَنِى بذلك الدَّاءِ))، ثم قال: ((عَزَمْتُ عليكم أنْ لا يَبْقى فى البيتِ أحدٌ إلا لُدَّ إلا عَمِّىَ العَبَّاس)).
         وفى ((الصحيحين)) عن عائشةَ رضى الله تعالى عنها قالت: لَدْدنَا رسولَ الله صلى الله عليه وسلم، فأشار أن لا تَلُدُّونِى، فقلنا: كراهِيةُ المريض للدواءِ، فلما أفاق قال: ((ألم أنْهَكُمْ أن تَلُدُّونِى، لا يَبْقَى منكم أحدٌ إلا لُدَّ غَيْرَ عَمِّى العباس، فإنَّه لَمْ يَشْهَدْكُم)).
         قال أبو عبيد عن الأصمعىِّ: اللَّدُودُ: ما يُسقى الإنسان فى أحد شِقَّى الفم، أُخِذ من لَدِيدَى الوادى، وهما جانباه. وأما الوَجُورُ: فهو فى وسط الفم.
         قلت: واللَّدود  بالفتح : هو الدواءُ الذى يُلَدَّ به. والسَّعوطُ: ما أُدخل من أنفه.
         روى ابن ماجه فى ((سننه)) حديثاً فى صحته نظر: أنَّ النبى صلى الله عليه وسلم كان إذا صُدِع، غَلَّفَ رأسَه بالحنَّاءِ، ويقول: ((إنَّهُ نافعٌ بإذنِ الله من الصُّداعِ)).
         والصُّدَاع: ألم فى بعض أجزاء الرأس أو كله، فما كان منه فى أحد شِقَّى الرأس لازماً يُسمَّى شقيقةً؛ وإن كان شاملاً لجميعه لازماً، يسمى بَيضْةً وخُودَةً تشبيهاً بِبَيْضَة السلاح التى تشتمل على الرأس كلِّه، وربما كان فى مؤخَّر الرأس أو فى مقدمه.
         وأنواعه كثيرة، وأسبابه مختلفة. وحقيقة الصُّداع: سخونةُ الرأس، واحتماؤه لما دار فيه مِن البخار يطلُب النفوذ من الرأس، فلا يجد منفذاً، فيصدَعُه كما يصدع الوَعىُ  إذا حمى ما فيه وطلب النفوذ، فكل شىء رطب إذا حمى، طلب مكاناً أوسع من مكانه الذى كان فيه، فإذا عرض هذا البخار فى الرأس كله بحيث لا يمكنه التَّفَشِّى والتحلل، وجال فِى الرأس، سمى: السَّدرَ.
اسباب الصداع :
  • أحدها: من غلبة واحد من الطبائع الأربعة.
  • والخامس: يكون من قروح تكون فى المعدة، فيألم الرأس لذلك الورم لاتصال العصب المنحدر من الرأس بالمعدة.
  • والسادس: من ريح غليظة تكون فى المعدة، فتصعَدُ إلى الرأس فتصدعه.
  • والسابع: يكون من ورم فى عروق المعدة، فيألمُ الرأسُ بألم المعدة للاتصال الذى بينهما.
  • والثامن: صُداع يحصل من امتلاء المعدة من الطعام، ثم ينحدر ويبقى بعضُه نيئاً، فيصدَع الرأس ويثقله.
  • والتاسع: يعرض بعد الجِمَاع لتخلخل الجسم، فيصل إليه مِن حر الهواء أكثرُ من قدر.
  • والعاشر: صداع يحصُل بعد القىء والاستفراغ، إما لغلبة اليبس، وإما لتصاعد الأبخرة من المعدة إليه.
  • والحادى عشر: صُداع يعرِضُ عن شدة الحر وسخونة الهواء.
  • والثانى عشر: ما يَعْرِضُ من شدة البرد، وتكاثفِ الأبخرة فى الرأس وعدم تحَلُّلها.
  • والثالث عشر: ما يحدُث مِن السهر وعدم النوم.
  • والرابع عشر: ما يحدُث مِن ضغط الرأس وحمل الشىء الثقيل عليه.
  • والخامس عشر: ما يحدُث مِن كثرة الكلام، فتضعف قوةُ الدماغ لأجله.
  • والسادس عشر: ما يحدُث مِن كثرة الحركة والرياضة المفرطة.
  • والسابع عشر: ما يحدُث من الأعراض النفسانية، كالهموم، والغموم، والأحزان، والوساوس، والأفكار الرديئة.
  • والثامن عشر: ما يحدُث  من شدة الجوع، فإن الأبخرة لا تجد ما تعمل فيه، فتكثر وتتصاعد إلى الدماغ فتؤلمه.
  • والتاسع عشر: ما يحدُث عن ورم فى صِفاق الدماغ، ويجد صاحبُه كأنه يُضْرَب بالمطارق على رأسه.
  • والعشرون: ما يحدُث بسبب الحُمَّى لاشتعال حرارتها فيه فيتألم.. والله أعلم.
فى سبب صُداع الشقيقة
         وسبب صُداع الشقيقة مادة فى شرايين الرأس وحدها حاصلة فيها، أو مرتقية إليها، فيقبلُها الجانب الأضعف من جانبيه، وتلك المادةُ إما بُخارية، وإما أخلاط حارة أو باردة، وعلامتُها الخاصة بها ضرَبان الشرايين، وخاصة فى الدموى. وإذا ضُبِطت بالعصائب، ومُنِعت من الضَّربَان، سكن الوجع.
         وقد ذكر أبو نعيم  فى كتاب ((الطب النبوى)) له: أنَّ هذا النوع كان يُصيب النبى صلى الله عليه وسلم، فيمكث اليوم واليومين، ولا يخرج.
         وفيه: عن ابن عباس قال: خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد عَصَبَ رأسه بعِصَابةٍ.
         وفى ((الصحيح)): أنه قال فى مرض موته: ((وَارَأْسَاهُ)). وكان يُعصِّبُ رأسه فى مرضه، وعَصْبُ الرأس ينفع فى وجع الشقيقة وغيرها من أوجاع الرأس.
فى علاج صُداع الشقيقة
         وعِلاجه يختلف باختلاف أنواعه وأسبابه، فمنه ما علاجُه بالاستفراغ، ومنه ما علاجُه بتناول الغذاء، ومنه ما عِلاجُه بالسُّكون والدَّعة، ومنه ما عِلاجُه بالضِّمادات، ومنه ما علاجُه بالتبريد، ومنه ما علاجُه بالتسخين، ومنه ما عِلاجُه بأن يجتنب سماعَ الأصواتِ والحركات.
         إذا عُرِفَ هذا، فعِلاجُ الصُّداع فى هذا الحديث بالحِنَّاء، هو جزئى لا كُلِّى، وهو علاج نوع من أنواعِه، فإن الصُّداع إذا كان من حرارة ملهبة، ولم يكن من مادةٍ يجب استفراغها، نفع فيه الحِنَّاء نفعاً ظاهراً، وإذا دُقَّ وضُمِّدَتْ به الجبهةُ مع الخل، سكن الصُّداع، وفيه قوة موافقة للعصب إذا ضُمِّدَ به، سكنت أوجاعُه، وهذا لا يختصُّ بوجع الرأس، بل يعُمُّ الأعضاءَ، وفيه قبض تُشَدُّ به الأعضاء، وإذا ضُمِّدَ به موضعُ الورم الحار والملتهب، سكَّنه.
         وقد روى البخارى فى ((تاريخه))، وأبو داود فى ((السنن)) أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم ما شَكا إليه أحدٌ وجَعاً فى رأسِهِ إلا قال له: ((احْتَجِمْ))، ولا شَكى إليه وجَعاً فى رجلَيْه إلا قال له: ((اخْتَضِبْ بالحِنَّاء)).
          وفى الترمذى: عن سَلْمَى أُمِّ رافعٍ خادمِة النبى صلى الله عليه وسلم قالتْ: كان لا يُصيبُ النبىَّ صلى الله عليه وسلم قرحةٌ ولا شَوْكةٌ، إلا وَضَع عليها الحِنَّاءَ
فى الحِنَّاء ومنافعه وخواصه
  • والحِنَّاءُ باردٌ فى الأُولى، يابسٌ فى الثانية، وقوةُ شجر الحِنَّاء وأغصانها مُركَّبةٌ من قوة محللة اكتسبتْها من جوهر فيها مائى، حار باعتدال، ومِن قوة قابضة اكتسبتْها من جوهر فيها أرضى بارد.
  • ومن منافعه أنه محلِّلٌ نافع من حرق النار، وفيه قوةٌ موافقة للعصب إذا ضُمِّدَ به، وينفع إذا مُضِغ من قُروح الفم والسُّلاق العارض فيه. ويبرىءُ القُلاع الحادث فى أفواه الصبيان، والضِّماد به ينفعُ مِن الأورام الحارة الملهبة، ويفعَلُ فى الجراحات فِعل دم الأخوَين، وإذا خُلِطَ نَوْرُه مع الشمع المصفَّى، ودُهن الورد، ينفع من أوجاع الجنب.
  • ومن خواصه أنه إذا بدأ الجُدرِىُّ يخرج بصبى، فخُضِبَت أسافل رجليهِ بحنَّاءٍ، فإنه يُؤمَنُ على عينيه أن يخرُج فيها شىء منه، وهذا صحيح مُجرَّب لا شك فيه. وإذا جُعِل نَوْرُه بين طى ثياب الصوف طيَّبها، ومنع السوس عنها، وإذا نُقِعَ ورقُه فى ماءٍ عذب يغمُره، ثم عُصِرَ وشُرِبَ من صفوه أربعين يوماً كلَّ يوم عشرون درهماً مع عشرة دراهم سكر،  ويُغذَّى عليه بلحم الضأن الصغير، فإنه ينفع من ابتداء الجُذام بخاصيةٍ فيه عجيبة.
  • وحُكى أنَّ رجلاً تشقَّقَتْ أظافيرُ أصابِع يده، وأنه بذل لمن يُبرئه مالاً، فلم يجد، فوصفت له امرأة، أن يشرب عشرة أيام حِناء، فلم يُقْدِم عليه، ثم نقعه بماء وشربه، فبرأ ورجعت أظافيرُه إلى حسنها.
  • والحِنَّاء إذا أُلزِمَتْ به الأظفار معجوناً حسَّنها ونفعها، وإذا عُجِنَ بالسمن وضُمِّدَ به بقايا الأورام الحارة التى تَرْشَحُ ماءً أصفر  نفعها، ونفع من الجرَب المتقرِّح المزمن منفعة بليغة، وهو يُنْبت الشعرَ ويقويه، ويُحَسِّنه، ويُقوِّى الرأس، وينفع من النَّفَّاطات، والبُثور العارضة فى الساقين والرِّجْلين، وسائر البدن.
فى هَدْيه صلى الله عليه وسلم فى علاج العُذْرة وفى العلاج بالسَّعوط
  • ثبت عنه فى ((الصحيحين)) أنه قال: ((خَيْرُ مَا تَدَاوَيْتُم به الحِجَامةُ، والقُسْطُ البَحْرِىُّ، ولا تُعَذِّبُوا صِبْيانَكُمْ بالغَمْزِ من العُذْرَةِ)).
  • وفى ((السنن)) و((المسند)) عنه من حديث جابر بن عبد الله قال: دَخَلَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم على عائشة، وعِندَها صَبِىٌ يَسِيلُ مَنخراهُ دماً، فقال: ((ما هذا)) ؟ فقالوا: به العُذرةُ، أو وَجعٌ فى رأسه، فقال: ((وَيلكُنَّ، لا تَقْتُلنَ أَوْلادَكُنَّ، أيُّما امرأةٍ أصابَ وَلَدَها عُذْرَةٌ أو وَجَعٌ فى رأسِه، فَلْتَأخُذْ قُسْطاً هِنْدِيَّاً فَلْتَحُكَّه بماءٍ، ثم تُسْعِطْهُ إيَّاهُ)) فأمَرتْ عائشةُ رضى الله عنها فصُنِعَ ذلك بالصبىِّ، فبَرَأَ.
  • قال أبو عُبيدٍ عن أبى عُبيدَةَ: العُذْرَةُ: تهيُّجٌ فى الحَلْق من الدم، فإذا عُولج منه، قيل: قد عُذِرَ به، فهو معذورٌ.. انتهى.
  • وقيل: العُذْرَةُ: قرحة تخرج فيما بين الأذُن والحلق، وتَعرض للصبيان غالباً.
  • وأما نفعُ السَّعوط منها بالقُسْط المحكوك، فلأن العُذْرَةُ مادتُها دم يغلب عليه البلغمُ، لكن تولده فى أبدان الصبيان أكثر، وفى القُسْط تجفيفٌ يَشُدُّ اللَّهاةَ ويرفعها إلى مكانها، وقد يكون نفعُه فى هذا الداء بالخاصية، وقد ينفع فى الأدواء الحارة، والأدوية الحارة بالذات تارة، وبالعرض أُخرى. وقد ذكر صاحب ((القانون)) فى معالجة سُقوط اللَّهَاة: القُسطَ مع الشَّب اليمانىِّ، وبذر المـرو.
  • والقُسْطُ البحرىُّ المذكور فى الحديث: هو العود الهندى، وهو الأبيض منه، وهو حلو، وفيه منافعُ عديدة. وكانوا يُعالجون أولادَهم بغَمز اللَّهاة، وبالعِلاَق، وهو: شىء يُعلِّقونه على الصبيان، فنهاهم النبىُّ صلى الله عليه وسلم عن ذلك، وأرشدهم إلى ما هو أنفعُ للأطفال، وأسهلُ عليهم.
  • والسَّعوطُ: ما يُصَبُّ فى الأنف، وقد يكون بأدوية مفردة ومُركَّبة تُدَق وتُنخل وتُعجن وتُجفف، ثم تُحَلُّ عند الحاجة، ويُسعط بها فى أنف الإنسان، وهو مستلقٍ على ظهره، وبين كتفيه ما يرفعُهما لتنخفض رأسُه، فيتمكن السَّعوطُ من الوصول إلى دماغه، ويُستخرج ما فيه من الداء بالعطاس، وقد مدح النبى صلى الله عليه وسلم التداوىَ بالسَّعوط فيما يُحتاج إليه فيه.
  • وذكر أبو داودَ فى ((سننه)): ((أنَّ النبىَّ صلى الله عليه وسلم اسْتَعطَ)).
فى هَدْيه صلى الله عليه وسلم فى علاج المفؤود
         روى أبو داود فى ((سننه)) من حديث مُجاهدٍ، عن سعد، قال: ((مَرضتُ مرضاً، فأتَانِى رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يَعُودنى، فَوَضَعَ يَدَه بين ثَديَىَّ حَتَّى وَجَدتُ بَرْدَها على فؤادى، وقال لى:  إنَّكَ رجُلٌ مَفْؤُودٌ فأْتِ الحارَثَ بن كَلَدَةَ من ثَقِيفٍ، فإنَّه رجلٌ يتطبَّبُ، فلْيأْخُذْ سبعَ تَمَراتٍ من عَجْوَةِ المدينةِ، فلْيَجأْهُنَّ بِنَواهُنَّ، ثم لِيَلُدَّكَ بِهِنَّ)).
         المفؤود: الذى أُصيب فؤادُه، فهو يشتكيه، كالمبطون الذى يشتكى بطنه.
         واللَّدُود: ما يُسقاه الإنسانُ من أحد جانبى الفم.
         وفى التَّمْر خاصيَّةٌ عجيبةٌ لهذا الداء، ولا سِـيَّما تمرَ المدينة، ولا سِـيَّما العجوة منه، وفى كونها سبعاً خاصيةٌ أُخرى، تُدرَك بالوحى، وفى ((الصحيحين)): من حديث عامر بن سعد بن أبى وَقَّاصٍ، عن أبيه  قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((مَنْ تَصَبَّحَ بسبعِ تَمَرَاتٍ من تَمْرِ العَالِيَة لم يَضُرَّهُ ذلك اليومَ سَمٌ ولا سِحْرٌ)).
         وفى لفظ: ((مَن أكل سَبْعَ تمراتٍ ممَّا بَيْن لاَبَتَيْها حينَ يُصبحُ، لم يَضُرَّهُ سَمٌ حتى يُمْسِى)).
         والتَّمْرُ حارٌ فى الثانية، يابس فى الأُولى. وقيل: رطبٌ فيها. وقيل: معتدل، وهو غذاءٌ فاضلٌ حافظٌ للصحة لا سِيَّما لمن اعتاد الغِذَاءَ به، كأهل المدينة وغيرهم، وهو من أفضل الأغذية فى البلاد الباردةِ والحارةِ التى حرارتُها فى الدرجة الثانية، وهو لهم أنفعُ منه لأهل البلاد البارِدةِ، لبرودةِ بواطن سكانها، وحرارةِ بواطن سكان البلاد الباردة، ولذلك يُكثِرُ أهلُ الحجاز واليمن والطائف، وما يليهم مِن البلاد المشابهةِ لها من الأغذية الحارة ما لا يتَأتَّى لغيرهم، كالتَّمْر والعسل، وشاهدناهم يَضَعُون فى أطعمتهم من الفُلْفُل والزَّنْجبيل، فوقَ ما يضعه غيرُهم نحوَ عشرة أضعاف أو أكثر، ويأكلون الزَّنْجبيل كما يأكل غيرُهم الحَلْوى، ولقد شاهدتُ من يَتَنَقَّل به منهم كما يتنقل بالنُّقْلِ، ويوافقهم ذلك ولا يضرُّهم لبرودةِ أجوافهم، وخروج الحرارة إلى ظاهر الجسد، كما تُشاهَدُ مياهُ الآبار تبرُدُ من الصيف، وتسخن فى الشتاء، وكذلك تُنضج المعدة من الأغذية الغليظة فى الشتاء ما لا تُنضجه فى الصيف.
         وأمَّا خاصية السَّبْعِ، فإنها قد وقعت قدْراً وشرعاً، فخلق الله عَزَّ وَجَلَّ السَّمواتِ سبعاً، والأرضَينَ سبعاً، والأيام سبعاً، والإنسان كمل خلقه فى سبعة أطوار، وشرع الله سبحانه لعباده الطواف سبعاً، والسعى بين الصفا والمروة سبعاً، ورمىَ الجمارِ سبعاً سبعاً، وتكبيراتِ العيدين سبعاً فى الأولى. وقال صلى الله عليه وسلم: ((مُرُوهم بالصَّلاةِ لسَبْعٍ))، ((وَإِذَا صَارَ للغُلامِ سَبْعُ سِنِينَ خُيِّرَ بين أبويه)) فى رواية.
 وفى رواية أخرى: ((أبُوه أحقُّ به من أُمِّهِ))، وفى ثالثة: ((أُمُّهُ أحَقُّ به)) وأمر النبىَّ صلى الله عليه وسلم فى مرضه أن يُصَبَّ عليه من سبعِ قِرَبٍ، وسَخَّر الله الريحَ على قوم عادٍ سبع ليال، وَدَعَا النبىُّ صلى الله عليه وسلم أن يُعينَه اللهُ على قومه بسبعٍ كسبعِ يوسف، ومَثَّلَ اللهُ سبحانه ما يُضاعِفُ به صَدَقَةَ المتصدِّقِ بِحَبَّةٍ أنبتت سبعَ سنابل فى كلِّ سُنبلة مائة حَبَّةٍ، وَالسَّنابل التى رآها صاحبُ يوسفَ سبعاً، والسنين التى زرعوها دأْباً سبعاً، وتُضاعَفُ الصدقة إلى سبعمائة ضِعف إلى أضعاف كثيرة، ويدخل الجنََّة من هذه الأُمَّة بغير حساب سبعون ألفاً.
         فلا ريب أنَّ لهذا العدد خاصيَّة ليست لغيره، والسبعة جمعت معانىَ العدد كله وخواصه، فإن العددَ شَفْعٌ ووَتْرٌ. والشَفْع: أول وثان. والوَتْر: كذلك، فهذه أربع مراتب: شفع أول، وثان. ووتر أول، وثان، ولا تجتمع هذه المراتبُ فى أقلِّ مِن سبعة، وهى عدد كامل جامع لمراتب العدد الأربعة، أعنى الشَفْع والوَتْر، والأوائل والثوانى، ونعنى بالوَتْر الأول، الثلاثة، وبالثانى الخمسة؛ وبالشَفْع الأول الاثنين، وبالثانى الأربعة، وللأطباء اعتناءٌ عظيم بالسبعة، ولا سِيَّما فى البحارين. وقد قال ((بقراط)): كل شىء فى هذا العالَم فهو مقدَّر على سبعة أجزاء، والنجوم سبعة، والأيام سبعة، وأسنان الناس سبعة، أولها طفل  إلى سبع، ثم صبى إلى أربع عشرة، ثم مُراهِقٌ، ثم شابٌ، ثم كهلٌ، ثم شيخٌ، ثم هَرِمٌ إلى منتهى العمر، والله تعالى أعلم بحكمته وشرعه، وقدره فى تخصيص هذا العدد، هل هو لهذا المعنى أو لغيره ؟
         ونفع هذا العدد مِن هذا التَّمْر من هذا البلد من هذه البقعة بعينها من السُّم والسِّحر،  بحيث تمنع إصابته، من الخواصِّ التى لو قالها ((بقراط)) و((جالينوس)) وغيرهما من الأطباء، لتلقَّاها عنهم الأطباءُ بالقبول والإذعان والانقياد، مع أنَّ القائل إنما معه الحَدْسُ والتخمين والظنُّ، فمَن كلامُه كلُّه يقينٌ، وقطعٌ وبرهانٌ ووحىٌ، أولى أن تُتلقى أقوالُه بالقبول والتسليم، وترك الاعتراض. وأدوية السُّموم تارة تكون بالكيفية، وتارة تكون بالخاصية كخواص كثير من الأحجار والجواهر واليواقيت.. والله أعلم.
         ويجوز نفعُ التَّمْر المذكور فى بعض السموم، فيكونُ الحديثُ مِن العام المخصوص، ويجوز نفعُه لخاصية تلك البلد، وتلك التُّرْبة الخاصة من كل سُمٍّ، ولكن ههنا أمر لا بد من بيانه، وهو أنَّ مِن شرط انتفاع العليل بالدواء قبولَه، واعتقاد  النفعُ به؛ فتقبله الطبيعة، فتستعين به على دفع العِلَّة، حتى إنَّ كثيراً من المعالجات ينفع بالاعتقاد، وحُسْن القبول، وكمال التلقِّى، وقد شاهد الناس من ذلك عجائب، وهذا لأن الطبيعة يشتد قبولُها له، وتفرحُ النفس به، فتنتعشُ القُوَّة، ويقوى سلطانُ الطبيعة، وينبعثُ الحار الغريزى، فيُساعد على دفع المؤذى، وبالعكس يكون كثير من الأدوية نافعاً لتلك العِلَّة، فيقطعُ عملَه سوءُ اعتقاد العليل فيه، وعدمُ أخذ الطبيعة له بالقبول، فلا يجدى عليها شيئاً. واعتبرْ هذا بأعظم الأدوية والأشفية، وأنفعِها للقلوب والأبدان، والمعاش والمعاد، والدنيا والآخرة، وهو القرآن الذى هو شفاءٌ مِن كل داء، كيف لا ينفع القلوب التى لا تعتقد فيه الشفاء والنفع، بل لا يزيدها إلا مرضاً إلى مرضها، وليس لِشفاء القلوب دواءٌ قَطُّ أنفعَ مِن القرآن، فإنه شفاؤها التام الكامل ال

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق